يُعدّ التهاب العصب البصري حالة التهابية تصيب العصب المسؤول عن نقل الإشارات البصرية من العين إلى الدماغ، مما يؤدي غالباً إلى ألم عند تحريك العين وفقدان مؤقت للرؤية في إحدى العينين. تظهر الحالة عادة لدى البالغين الشباب، خصوصاً النساء بين عمر 20 و40 عاماً، وقد تكون في بعض الأحيان العلامة الأولى لمرض التصلب المتعدد. في معظم الحالات، يستعيد المريض بصره تدريجياً خلال أسابيع، إلا أن العلاج بالكورتيزون قد يُسرّع من تحسّن الرؤية.
ما هو التهاب العصب البصري؟
التهاب العصب البصري: هو أحد أنواع اعتلال الأعصاب يحدث عندما تُصاب الألياف العصبية بالتهاب أو تورم يؤدي إلى تلف الغلاف الدهني (الميالين) الذي يحيط بالعصب ويحميه. يعمل العصب البصري كوصلة اتصال بين العين والدماغ، إذ ينقل الإشارات البصرية التي تتيح للإنسان تفسير الصور. عند تضرّر هذا الغلاف، تتعطل عملية نقل الإشارات العصبية، فيضعف البصر أو يتشوّه.
قد يحدث الالتهاب بشكل منفرد أو نتيجة لأمراض مناعية مثل التصلب المتعدد أو الذئبة الحمراء، وفي حالات نادرة يكون بسبب التهاب العصب والنخاع البصري. غالباً ما يصيب عيناً واحدة، لكنه قد يصيب كلتا العينين في بعض الحالات، وتبدأ الأعراض عادة بشكل حاد ثم تتحسن تدريجياً خلال 4 إلى 12 أسبوعاً.

أنواع التهاب العصب البصري
تنقسم أنواع التهاب العصب البصري إلى ثلاث فئات رئيسية:
- النوع النموذجي: يصيب عادةً عيناً واحدة فقط، ويحدث فقدان البصر بشكل مفاجئ يتراجع تدريجياً خلال أيام أو أسابيع حتى دون علاج، لكن يُنصح باستخدام العلاج لتسريع التحسن وتقليل احتمال التكرار.
- النوع غير النموذجي: يصيب كلتا العينين في الغالب، ويتميّز بفقدان بصري أكثر شدة وبطء في التحسن، ويرتبط عادةً باضطرابات مناعية وعصبية معقدة.
- النوع الطفولي: يظهر في مرحلة الطفولة، وتتشابه أعراضه مع الأنواع الأخرى لكنه يمتاز بفرص شفاء أفضل واستعادة أسرع للبصر مقارنةً بالبالغين.
أسباب التهاب العصب البصري
يحدث التهاب العصب البصري عندما يهاجم الالتهاب ألياف العصب المسؤولة عن نقل الإشارات البصرية من العين إلى الدماغ، مما يؤدي إلى تلف الغلاف الدهني (الميالين) الذي يحمي العصب. في كثير من الحالات، لا يُعرف السبب الدقيق (يسمى ذلك التهاباً مجهول السبب)، لكن هناك عوامل متعددة يمكن أن تسبّب أو تسهم في حدوث الالتهاب، وتشمل:
الأمراض المناعية والالتهابية
- التصلب المتعدد: السبب الأكثر شيوعاً للنوع النموذجي من التهاب العصب البصري، ويُصاب نحو 50٪ من مرضى التهاب العصب البصري بالتصلب المتعدد خلال حياتهم.
- التهاب النخاع والعصب البصري (Neuromyelitis Optica – NMO): يسبب التهابات في العصب البصري والحبل الشوكي، وغالباً ما يكون أشد من التصلب المتعدد.
- اضطراب الأجسام المضادة للبروتين السكري قليل التغصن (MOG Antibody Disease – MOGAD): يؤدي إلى التهابات متكررة في العصب البصري والدماغ والحبل الشوكي، مع تحسن أفضل عادة من NMO.
- أمراض مناعية أخرى: مثل الذئبة الحمراء وداء بهجت والساركويد.
الالتهابات الإنتانية
يمكن أن تكون العدوى سبباً مباشراً لالتهاب العصب البصري، خاصة عند الأطفال، وتشمل:
- الفيروسات: يوجد عدة فيروسات تسبب التهاب العصب البصري أهمهم:
- فيروس الحماق النطاقي
- فيروس الهربس البسيط
- الفيروس المضخم للخلايا
- فيروس نقص المناعة البشرية
- فيروسات تنقلها الحشرات مثل بعوضيات الحمى
- فيروسات الطفولة مثل الحصبة
- البكتيريا: تختلف البكتيريا بتأثيرها على العصب البصري ولكن نذكر الأكثر شيوعاً وهم:
- حمى خدش القطة
- داء لايم
- السل
- الزهري
- الفطريات: تعد الفطور من أهم المسببات لالتهاب العصب البصري ونذكر مهم ما يلي:
- Cryptococcus neoformans (داء المستخفيات)
- أنواع Candida (داء المبيضات)
- Histoplasma capsulatum (داء النوسجات)
- Aspergillus (داء الرشاشيات)
- الطفيليات من أهمها:
- Toxoplasma gondii (داء المقوسات) المنقول من القطط
- Toxocara canis (داء المقوسات الكلبية) المنقول من الكلاب
الأدوية والسموم
بعض الأدوية والمواد السامة يمكن أن تؤدي إلى تلف العصب البصري منها:
- أدوية علاج العدوى مثل الإيثامبوتول والكلورامفينيكول والإيزونيازيد والمضادات الحيوية من نوع السلفا
- أدوية اضطرابات النظم القلبي مثل الأميودارون والديجوكسين
- أدوية الملاريا مثل الكلوروكين والهيدروكسي كلوروكين
- أدوية السرطان مثل الميثوتريكسات والفينكريستين والتاموكسيفين
- الكحول والميثانول (كحول الخشب) المستخدم في الطلاء والمذيبات
- التبغ والنيكوتين
أسباب أخرى لالتهاب العصب البصري
- نقص التروية: عندما لا يصل الدم الكافي إلى العصب البصري.
- نقص الفيتامينات: خاصة فيتامين B12، الذي يؤدي نقصه إلى تلف عصبي دائم.
- الانضغاط العصبي: نتيجة أورام أو زيادة الضغط داخل الجمجمة مثل الاستسقاء الدماغي.
- الاضطرابات الاستقلابية: مثل السكري من النمط الثاني، حيث يزداد خطر تلف العصب مع ارتفاع السكر في الدم.
أعراض التهاب العصب البصري
تتمحور أعراض التهاب العصب البصري حول العين والرؤية، وغالباً ما تصيب عيناً واحدة فقط، إلا أنها قد تؤثر أحياناً على كلتا العينين. تبدأ الأعراض عادةً بشكل مفاجئ أو خلال بضعة أيام، وتختلف شدتها حسب مدى الالتهاب، وتشمل ما يلي:
- ألم في العين: أكثر من 90٪ من المصابين يشعرون بألم يزداد عند تحريك العين، وقد يكون على شكل وجع خلف المقلة.
- ضعف الرؤية أو فقدانها المؤقت: يتراجع البصر خلال ساعات أو أيام، ثم يتحسن تدريجياً خلال أسابيع إلى أشهر، وقد يكون الفقد جزئياً أو كاملاً.
- تشوش أو تغيم الرؤية: تزداد ضبابية الرؤية خاصة بعد ارتفاع درجة حرارة الجسم، مثل بعد الاستحمام بماء ساخن أو ممارسة الرياضة.
- اضطراب في مجال الرؤية: فقدان جزئي للرؤية الجانبية أو المركزية، مما يسبب مناطق مظلمة في جزء من مجال الإبصار.
- ضعف تمييز الألوان: تبدو الألوان باهتة، خاصة اللون الأحمر، ويُعرف ذلك باسم عُسر إدراك الألوان.
- رؤية ومضات ضوئية أو أضواء وامضة: قد يلاحظ المريض ومضات تظهر عند تحريك العين.
- استجابة غير طبيعية للحدقة عند الضوء الساطع: قد لا يتضيق البؤبؤ كما هو متوقع عند التعرض للضوء.
قد تتفاقم الأعراض مع التعب أو الحرارة، لكنها غالباً ما تتحسن مع مرور الوقت والعلاج المناسب.

تشخيص التهاب العصب البصري
يعتمد تشخيص التهاب العصب البصري على الأعراض السريرية وتاريخ المريض المرضي والفحص العيني الدقيق الذي يجريه طبيب العيون أو طبيب الأعصاب المتخصص. يبدأ التشخيص عادةً بفحص العين الروتيني لتقييم حدة البصر وتمييز الألوان ومجال الرؤية الجانبي، إلى جانب اختبار استجابة الحدقة للضوء، حيث تُظهر العين المصابة تضيقاً أضعف عند التعرض للضوء مقارنة بالعين السليمة. يُجرى أيضاً فحص قاع العين باستخدام المصباح الشقي لمعاينة العصب البصري مباشرة، إذ يُلاحظ تورّم القرص البصري في نحو ثلث الحالات.
ولتأكيد التشخيص وتحديد السبب، تُستخدم مجموعة من الفحوص المتقدمة، منها:
- التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI): يُظهر مناطق الالتهاب في العصب البصري، كما يكشف وجود آفات دماغية مرتبطة بمرض التصلب المتعدد أو اضطرابات مناعية أخرى مثل NMO وMOGAD.
- اختبار الجهد البصري المحرَّض: يقيس سرعة انتقال الإشارات البصرية من العين إلى الدماغ، والتي تكون أبطأ عند وجود تلف في الميالين.
- التصوير المقطعي للتماسك البصري: يحدد سماكة ألياف الشبكية التي غالباً ما تنقص نتيجة الالتهاب.
- اختبارات مجال الرؤية: تُظهر مدى فقدان الرؤية الجانبية أو المركزية.
- التحاليل المخبرية: تشمل فحوص الدم للتحري عن الأجسام المضادة المميزة لأمراض المناعة الذاتية مثل NMO وMOGAD، أو للكشف عن العدوى البكتيرية أو الفيروسية المسببة، وقد يُطلب أحياناً بزل قطني لتحليل السائل الدماغي الشوكي.
يساعد الجمع بين هذه الفحوص على تأكيد التشخيص واستبعاد أسباب أخرى لفقدان البصر مثل الأورام أو نقص التروية، مما يتيح البدء بالعلاج المناسب في الوقت المناسب.

علاج التهاب العصب البصري
يعتمد علاج التهاب العصب البصري على نوع الحالة وشدّتها ووجود أمراض مرافقة مثل التصلب المتعدد أو الاضطرابات المناعية. تهدف الخطة العلاجية إلى تقليل الالتهاب، وتسريع استعادة الرؤية، ومنع النكس المستقبلي.
1. العلاج بالكورتيزون (العلاج الأساسي)
- يُعتبر الميثيل بريدنيزولون الوريدي بجرعة 500–1000 ملغ يومياً لمدة 3–5 أيام هو العلاج المعياري
- يُتبع العلاج الوريدي عادةً بـ كورتيزون فموي (Prednisone) بجرعات متناقصة على مدى 11 يومًا
- يساهم الكورتيزون في تخفيف الالتهاب وتسريع تحسّن البصر، لكنه لا يؤثر في النتيجة البصرية النهائية على المدى الطويل
- لا يُنصح باستخدام الكورتيزون الفموي وحده دون الحقن الوريدي لأنه يزيد احتمال تكرار الالتهاب
2. العلاجات المناعية المتقدمة
تُستخدم في الحالات التي ترتبط باضطرابات مناعية مثل التهاب النخاع والعصب البصري (NMOSD) أو مرض MOGAD، وتشمل:
- ريتوكسيماب
- أزاثيوبرين
- موفيتيل الميكوفينولات
تساعد هذه الأدوية على خفض نشاط الجهاز المناعي والوقاية من النكس أو الهجمات الجديدة.
3. تبديل البلازما (Plasma Exchange – PLEX)
- يُستخدم عند عدم الاستجابة للكورتيزون أو في الحالات الشديدة
- يعمل على إزالة الأجسام المضادة والمواد الالتهابية من الدم
- مفيد بشكل خاص في التهاب النخاع والعصب البصري (NMOSD)
4. العلاجات المعدّلة للمناعة (Disease-Modifying Therapies – DMTs)
في حال وجود آفات دماغية على التصوير بالرنين المغناطيسي تُشير إلى خطر الإصابة بالتصلب المتعدد (MS)، يُوصى باستخدام:
- إنترفيرون بيتا
- غلاتيرامر أسيتات
- ناتاليزوماب أو أوكريليزوماب للأشكال المتقدمة
تساعد هذه العلاجات على تقليل الانتكاسات وتأخير تطور التصلب المتعدد
5. العلاجات المساعدة والداعمة
- فيتامين D: الحفاظ على مستوياته ضمن الحد الطبيعي يساهم في دعم الجهاز المناعي وتقليل خطر الانتكاس.
- أدوية ذات تأثير عصبي واقٍ: مثل Citicoline وBrimonidine التي تُساعد على حماية الخلايا العصبية ودعم التعافي.
- تأهيل بصري: باستخدام وسائل مساعدة لتحسين الرؤية وجودة الحياة اليومية في حال بقاء ضعف بصري جزئي.
6. العلاج الجراحي (نادر)
- يُلجأ إليه فقط في الحالات التي يكون فيها انضغاط ميكانيكي للعصب البصري بسبب ورم أو كتلة
- يتم إجراء تفريغ جراحي لغمد العصب البصري لتخفيف الضغط والحفاظ على الرؤية
7. المتابعة والتأهيل البصري
- المراقبة الدورية لحدة البصر وتمييز الألوان والتباين البصري
- دعم المريض نفسياً وبصرياً في حال تبقّت مشكلات دائمة في الرؤية
مضاعفات التهاب العصب البصري
قد يؤدي التهاب العصب البصري في بعض الحالات إلى مضاعفات دائمة أو مؤقتة، رغم أن معظم المرضى يستعيدون بصرهم تدريجياً خلال بضعة أشهر. من أهم المضاعفات المحتملة:
- تلف دائم في العصب البصري: حتى بعد تحسّن الرؤية، يبقى لدى معظم المرضى مقدار بسيط من التلف العصبي لا تظهر له أعراض واضحة لكنه قد يؤثر على دقة الإبصار مستقبلاً.
- نقص حدة البصر أو ضعف تمييز الألوان: قد تبقى القدرة على رؤية الألوان، خصوصاً الأحمر، أقل وضوحاً من الطبيعي، وقد يستمر ضعف خفيف في الرؤية لدى بعض المرضى.
- فقدان بصري دائم: في حالات قليلة، خاصة عند تكرار الالتهاب أو وجود أمراض مناعية مرافقة، قد يؤدي التلف الشديد إلى فقدان بصري دائم.
- الآثار الجانبية للعلاج بالكورتيزون: تشمل زيادة القابلية للعدوى، وتغيّرات في المزاج، وزيادة الوزن، وارتفاع السكر في الدم، وهشاشة العظام عند الاستخدام الطويل الأمد.
على الرغم من هذه المضاعفات، فإنّ العلاج المبكر والمتابعة الدقيقة يقللان بشكل كبير من خطر الضرر الدائم للعصب البصري ويساعدان في الحفاظ على البصر على المدى الطويل.
الوقاية من التهاب العصب البصري
لا توجد طريقة مؤكدة لمنع حدوث التهاب العصب البصري بشكل كامل، إذ قد يظهر لأسـباب مناعية أو التهابية يصعب التنبؤ بها، إلا أنّ اتباع نمط حياة صحي والاهتمام بالعوامل القابلة للسيطرة يمكن أن يقلل من خطر الإصابة أو الانتكاس. وتشمل أهم إجراءات الوقاية ما يلي:
- الإقلاع عن التدخين بجميع أنواعه بما في ذلك السجائر الإلكترونية ومنتجات التبغ غير المحترق، إذ يؤثر التدخين سلباً في صحة الأعصاب والدورة الدموية
- علاج الالتهابات باكراً قبل أن تنتقل أو تؤثر في العصب البصري
- الالتزام بتعليمات الطبيب عند استخدام الأدوية، وتجنب تناول أي دواء أو مادة دوائية غير موصوفة طبياً
- الحفاظ على تغذية متوازنة غنية بفيتامينات المجموعة B وخاصة فيتامين B12 الضروري لصحة الأعصاب
- الاعتدال في استهلاك الكحول وتجنّب السموم مثل الميثانول الموجود في بعض المذيبات أو الكحوليات المغشوشة
- السيطرة على الأمراض المزمنة والمناعية مثل التصلب المتعدد والذئبة الحمراء، من خلال المتابعة الطبية المنتظمة ولعلاج الوقائي
يساعد الالتزام بهذه الإجراءات في تقليل فرص التهاب العصب البصري أو تكراره والحفاظ على صحة الإبصار على المدى الطويل.
يُعدّ التهاب العصب البصري حالة قابلة للتحسن في معظم الأحيان عند التشخيص والعلاج المبكرين، لكن الإهمال قد يؤدي إلى ضرر دائم في العصب وفقدان البصر. يوفر مركز بيمارستان الطبي في تركيا تشخيصاً دقيقاً وعلاجاً متقدماً بإشراف أطباء مختصين لضمان أفضل فرصة لاستعادة الرؤية والحفاظ عليها.
المصادر:
- Guier, C. P., Kaur, K., & Stokkermans, T. J. (2025, January 20). Optic neuritis. In StatPearls . StatPearls Publishing. /
- American Academy of Ophthalmology. (2024, September 26). What is optic neuritis?
