تُعدّ مشكلة ديسك الرقبة من أكثر اضطرابات العمود الفقري شيوعاً، إذ تصيب ملايين الأشخاص حول العالم وتزداد نسبتها مع التقدم في العمر، وتظهر أسباب ديسك الرقبة نتيجة تآكل الأقراص بين الفقرات العنقية بسبب الإجهاد المزمن أو وضعيات الجلوس الخاطئة أو الإصابات المتكررة، وتشير الإحصائيات إلى أنّ ما يقارب 30% من البالغين يعانون من أعراض مرتبطة بالانزلاق الغضروفي في الرقبة خلال حياتهم، مما يجعل الوعي بالأسباب خطوة أساسية للوقاية والعلاج المبكر.
ما هو ديسك الرقبة؟
إن ديسك الرقبة أو الانزلاق الغضروفي لفقرات الرقبة هو اضطراب شائع في العمود الفقري ينتج عنه بروز الأقراص بين الفقرات أو تمزقها مسببةً الضغط المباشر على النخاع الشوكي، أو على العصب الخارج من بين الفقرات، أو كليهما معاً. إن هذه الحالة تؤثر على حياة المريض اليومية، حيث إن لديسك الرقبة العديد من الأعراض التي تقلل من جودة حياة المريض وأبرزها:
- ألم تتراوح شدته من خفيف إلى شديد حارق عند لمس المنطقة المصابة (العرض الأشيع)
- تنميل الأطراف العلوية، وقد يمتد كذلك إلى الأطراف السفلية
- فقدان التوازن أحياناً
- تصلب الرقبة
- صداع

أسباب ديسك الرقبة
إن أسباب ديسك الرقبة متعددة ومتنوعة بشدة، إذ لا يوجد سبب واحد فقط لحدوث هذه الحالة، بل هناك طيف واسع من الأسباب وأهمها:
- التقدم بالعمر: إن التقدم بالعمر يرفع من احتمالية الإصابة بديسك الرقبة، وذلك بسبب أن القرص الغضروفي بين الفقرات يفقد مرونته مع مرور الزمن، فيصبح أكثر عرضة للتلف والانفتاق، ولذلك يكون الأشخاص فوق سن 40 عاماً أكثر عرضة للإصابة بهذه الحالة.
- الوضعيات الخاطئة للرقبة: إن الجلوس بوضعيات خاطئة بشكل متكرر يرفع احتمالية الإصابة بديسك الرقبة، ومن الأمثلة على الوضعيات الخاطئة وضعية الجلوس أمام الحاسوب مع رأس مائل كثيراً نحو الأسفل.
- التدخين والعادات الحياتية غير الصحية: قد يكون للتدخين دور في حدوث الانزلاق الغضروفي، وذلك بسبب تأثير التدخين على أوعية الجسم، مما يقلل من تدفق الدم إلى الأقراص بين الفقرات، وهذا يُهيئ لحدوث ديسك الرقبة بشكل كبير.
- التعرض لإصابة أو صدمة مباشرة في منطقة الرقبة: مثل حوادث السير، أو التعثر والوقوع المباشر على الرقبة من الأسباب المباشرة والشائعة لحدوث حالة ديسك الرقبة.
- القصة العائلية: إن وجود الإصابة لدى أحد أفراد الدرجة الأولى يرفع بشدة احتمالية إصابة الشخص بديسك الرقبة، ولكن ليس بالضرورة أن يصاب دائماً.
- ضعف عضلات الرقبة: إن ضعف عضلات الرقبة لأي سبب من الأسباب قد يؤدي إلى زيادة الضغط على فقرات الرقبة وبالتالي حدوث حالة ديسك الرقبة.
- الحمل الزائد: إن حمل الأوزان الثقيلة بشكل متكرر وبوضعية خاطئة بمشاركة عضلات وعظام الرقبة قد يؤدي لحدوث انزلاق لفقرات الرقبة.
- الحركات المتكررة العنيفة: إن تحريك الرقبة بشكل مفاجئ وعنيف عدداً من المرات ولفترة طويلة قد يسبب الإصابة بهذه الحالة.
هذه هي أهم وأبرز أسباب ديسك الرقبة، ولكنّها ليست الوحيدة، فقد توجد بعض الأسباب البسيطة الأخرى المؤدية بشكل غير مباشر لحدوث الانزلاق الغضروفي لفقرات الرقبة على المدى البعيد.
عوامل الخطر التي تزيد احتمال الإصابة بديسك الرقبة
تزداد احتمالية الإصابة بديسك الرقبة لدى بعض الأشخاص نتيجة مجموعة من العوامل التي تُضعف بنية الفقرات والأقراص الرقبية مع مرور الوقت، وتشمل أبرز عوامل الخطر:
- الجلوس لفترات طويلة: كما في المهن المكتبية والعمل أمام الحاسوب لساعات طويلة، حيث إن الجلوس لفترة طويلة بنفس الوضعية يضع الفقرات الرقبية تحت ضغط مستمر قد يتطور إلى حدوث ديسك الرقبة.
- الإجهاد المتكرر أو الاهتزازات المستمرة: مثل قيادة الشاحنات أو تشغيل الآلات الثقيلة التي تُحدث ضغطاً متكرراً على الرقبة.
- ضعف اللياقة البدنية: إن قلة الحركة قد تؤدي إلى ضعف العضلات الداعمة للرقبة، مما يزيد من خطر الانزلاق الغضروفي.
- السمنة الزائدة: إن الوزن المرتفع يزيد من العبء على العمود الفقري، وخاصة في منطقة الرقبة والمنطقة القطنية.
- التدخين: يقلل التدخين من تدفق الدم إلى أنسجة العمود الفقري، مما قد يسرّع من تدهور الأقراص الغضروفية.
- التقدم في العمر: تفقد الأقراص الرقبية مرونتها مع مرور الوقت، مما يجعلها أكثر عرضة للتشقق أو التمزق.
- العوامل الوراثية: قد تلعب الجينات دوراً في جعل بعض الأشخاص أكثر عرضة لتآكل الأقراص مبكراً.
كيف يتم تشخيص ديسك الرقبة؟
يعتمد اختيار الفحوصات المراد استخدامها في تشخيص ديسك الرقبة على الأعراض وشدتها، وعلى الأسباب التي أدت لحدوث الديسك، ومن أهم هذه الفحوصات:
- الفحص السريري: يتم الفحص السريري عبر سؤال المريض وأخذ القصة السريرية أولاً، وذلك لتحديد طبيعة الإصابة وموقعها وشدتها، وكذلك لتحديد ما إذا كانت هذه الحالة موجودة لدى أقارب الدرجة الأولى أم أنها مكتسبة.
- الفحوصات المخبرية: تشمل الفحوصات المخبرية فحص تعداد الدم (سواءً كريات حمراء أم بيضاء أم تعداد دم كامل)، وذلك لاستبعاد مشاكل ديسك الرقبة الناتجة عن الالتهابات الجرثومية أو الأورام السرطانية.
- التصوير بالأشعة السينية X-Ray: إن التصوير بالأشعة السينية هو خطوة أولية في تحديد درجة الإصابة، وإمكانية وجود كسور في الرقبة تابعة لحوادث السير أو الوقوع.
- التصوير المقطعي المحوسب CT Scan: يتم اللجوء لهذا التصوير أحياناً لكونه الأكثر حساسيةً لفحص الفقرات العظمية للعمود الفقري، ويمكن أن يُظهر هذا التصوير وجود تكلسات حول الفقرات أو وجود تلف في أنسجة الفقرات العظمية.
- التصوير بالرنين المغناطيسي MRI: يُعد التصوير بالرنين المغناطيسي أكثر أنواع التصوير حساسيةً لفحص الأقراص الغضروفية بين الفقرات، إذ يتميز بقدرته على إظهار الأقراص والأنسجة الرخوة المجاورة والأعصاب المحيطة بطريقة أوضح بكثير من طرق التصوير الأخرى.
هذه الطرق تساعد في تشخيص الانزلاق الغضروفي، وقد تساعد كذلك في بعض الحالات على تحديد أسباب ديسك الرقبة المحتملة.
مضاعفات إهمال ديسك الرقبة
إن إهمال العلاج أو التأخر في تشخيص ديسك الرقبة قد يؤدي إلى تطوّر الحالة بشكل تدريجي مسبباً أضراراً يصعب علاجها لاحقاً، ومع استمرار الضغط على الأعصاب أو النخاع الشوكي، يمكن أن تظهر مضاعفات مؤثرة في الحركة والإحساس، ومن أبرز هذه المضاعفات:
- تطور اعتلال النخاع الرقبي: وهو من أخطر المضاعفات، إذ ينتقل الضغط إلى النخاع الشوكي مسبباً ضعفاً عاماً في الجسم واضطراباً في التوازن والمشي.
- الانضغاط المزمن للأعصاب: يؤدي إلى ضعف في عضلات الذراعين أو اليدين وصعوبة في أداء الحركات الدقيقة مثل الكتابة أو الإمساك بالأشياء.
- فقدان الإحساس أو التنميل الدائم: نتيجة تضرر الألياف العصبية بشكل مستمر، ما يسبب شعوراً بالخدر في الأطراف العلوية.
- الآلام المزمنة: مع الوقت قد يتحول الألم إلى حالة مزمنة يصعب السيطرة عليها حتى بالأدوية.
إنّ الكشف المبكر والعلاج المناسب لديسك الرقبة يحدّان بشكل كبير من هذه المضاعفات، لذلك يُنصح بمراجعة الطبيب عند ظهور أي ألم مستمر في الرقبة أو خدر في اليدين لتجنّب تطور المشكلة.

الوقاية من ديسك الرقبة
يمكن تقليل خطر الإصابة والوقاية من ديسك الرقبة بشكل كبير عبر اتباع عادات صحية بسيطة تُحافظ على سلامة العمود الفقري وتحمي الأقراص الرقبية من التآكل المبكر، وتبدأ الوقاية من تعديل نمط الحياة اليومي والاهتمام بالوضعيات الصحيحة أثناء العمل والراحة، ومن أهم النصائح التي يمكن تقديمها:
- تصحيح وضعية الجلوس: يجب محاولة إبقاء الرأس بمحاذاة العمود الفقري وتجنّب الانحناء لفترة طويلة نحو الهاتف أو شاشة الحاسوب.
- ممارسة التمارين بانتظام: إن تمارين تقوية الرقبة والكتفين تساعد بشكل كبير على دعم الفقرات الرقبية، وتقليل الضغط عليها.
- أخذ فترات استراحة متكررة: خصوصاً أثناء العمل المكتبي أو القيادة الطويلة لتخفيف الضغط المتواصل على الرقبة.
- اختيار وسادة مناسبة للنوم: يُنصح باستخدام وسادة متوسطة الارتفاع للمحافظة على استقامة العنق أثناء النوم.
- الحفاظ على وزن صحي: لتقليل العبء والضغط على الفقرات الرقبية.
هل يمكن علاج ديسك الرقبة؟
مع تطور الطب، أصبح علاج ديسك الرقبة ممكناً، حيث أن هناك العديد من العمليات التي يُمكن إجراؤها للتخلص من ديسك الرقبة بشكل شبه تام، ومن أهم العلاجات:
في الختام، تتعدد أسباب ديسك الرقبة بين العوامل الميكانيكية والعمرية والعادات اليومية الخاطئة، إلا أن التشخيص المبكر والعلاج المناسب يقللان كثيراً من المضاعفات. في مركز بيمارستان الطبي في تركيا، نُقدَّم رعاية متكاملة باستخدام أحدث التقنيات التشخيصية والعلاجية لمشاكل العمود الفقري، مع إشراف نخبة من الأطباء المتخصصين لضمان أفضل النتائج واستعادة جودة الحياة.
المصادر:
- StatPearls Publishing. (2024). Cervical Disc Herniation. National Center for Biotechnology Information (NCBI).
- Jiang, C., Li, Y., & Liu, Z. (2024). Minimally invasive percutaneous techniques for the treatment of cervical disc herniation. Journal of Clinical Medicine, 14(10), 3280. Retrieved from
