يُحيط بمرض باركنسون هالة من المفاهيم الخاطئة والمعلومات غير الدقيقة التي تتسبب في إرباك المرضى وعائلاتهم، حيث تنتشر مغالطات كثيرة حول أسبابه وأعراضه وطرق علاجه، مما قد يؤخر التشخيص الصحيح ويؤثر سلباً على جودة حياة المريض. تشير الإحصاءات إلى أن أكثر من 60% من المرضى يتلقون معلومات خاطئة خلال رحلة علاجهم الأولى. تؤكد الدراسات أن تصحيح هذه المعتقدات يعد خطوة أساسية نحو تحسين النتائج العلاجية وتمكين المرضى.
ما هو مرض باركنسون بشكل علمي وصحيح؟
إن مرض باركنسون هو اضطراب عصبي تنكسي مزمن ومتقدم يؤثر على الحركة بشكل أساسي، وهو ينتج من فقدان نوع محدد من الخلايا العصبية في منطقة من الدماغ تسمى المادة السوداء، وهذه المنطقة هي المسؤولة عن إنتاج الناقل العصبي الدوبامين، وإن إصابة المادة السوداء يؤدي إلى انخفاض الدوبامين وبالتالي ظهور الأعراض الحركية الرئيسية عند المريض، والتي تتمثل بالرعاش (اهتزاز اليدين)، وبطء الحركة، تيبس العضلات، وعدم الاتزان، ولكن مع تطور الطب بات السيطرة على هذه الأعراض أمراً ممكناً.
المغالطات الطبية حول مرض باركنسون
1. مرض باركنسون يؤثر فقط على الحركة
يُعرف باركنسون شعبياً بأنه اضطراب حركي، لكن المرضى يعانون أيضًا من أعراض غير حركية، والتي قد تظهر أحياناً قبل الأعراض الحركية، وتشمل هذه الأعراض غير الحركية: الضعف الإدراكي ،الخرف، الاكتئاب القلق، اضطرابات النوم، الألم، فقدان الدافع أو (اللامبالاة)، ضعف الوظيفة الجنسية، وسلس الأمعاء.
غالبًا ما يتم التغاضي عن هذه الأعراض، بالرغم من أهميتها الشديدة، حيث تؤثر على جودة الحياة كما تلعب دور كبير في تدهور الحالة الصحية للمريض.
2. العلاج يفقد فعاليته بعد بضع سنوات
على الرغم من عدم وجود علاج شافٍ لمرض باركنسون، إلا أن الأدوية تساعد بشكل كبير في السيطرة على الأعراض. ويُعتبر دواء “ليفودوبا” من أكثر الأدوية فعالية، حيث يتحول هذا الدواء إلى دوبامين داخل الدماغ بعد عبوره الحاجز الدماغي الشوكي، وهناك اعتقاد خاطئ بأن “ليفودوبا” يفقد تأثيره بعد 5 سنوات، لكنه في الواقع يظل فعالًا لعقود من الزمن، ومع ذلك، قد تنقص فعاليته مع تقدم المرض، لأن الخلايا العصبية التي تقوم بتحويل “ليفودوبا” إلى دوبامين تتدهور مع مرور الزمن، كما أن المرضى قد يحتاجون إلى تعديلات في جرعات الأدوية أو البحث عن طرق علاجية مختلفة مع مرور الوقت.
3. دواء “ليفودوبا” يجعل الأعراض أسوأ
يعتقد البعض أن “ليفودوبا” قد يزيد من أعراض مرض باركنسون سوءًا، لكن هذا الأمر ليس صحيحًا.
يمكن أن يسبب الدواء بعض الحركات اللاإرادية (خلل الحركة)، لكن ذلك يرتبط بتقدم المرض وليس بسبب الدواء نفسه وحده. لذا لا ينصح الأطباء مطلقاً بتأجيل بدء العلاج خوفًا من خلل الحركة.
4. الرعاش في الجسم يعني دائمًا مرض باركنسون
الرعاش هو أكثر أعراض باركنسون شهرة، وبه يميز مرضى باركنسون لكنه قد يكون ناتجًا عن حالات أخرى مثل:
- بعض الاضطرابات العصبية الأخرى
- الشلل الرعاشي الناتج عن الأدوية
- الرعاش الأساسي أو الأولي
- الشلل الرعاشي الوعائي
لذلك، ليس كل شخص يعاني من الرعاش مصاب حتماً بمرض باركنسون.
5. الأطباء يمكنهم التنبؤ بدقة بمسار المرض
مرض باركنسون يختلف من شخص لآخر، لذا لا يمكن للأطباء التنبؤ بدقة بكيفية تطور الأعراض لدى كل مريض.
حيث تشير الدراسات إلى وجود اختلافات في الأعراض بشكل كبير بين المرضى، ولا تزال الأبحاث جارية لفهم أسباب هذه الفروقات.
Predicting severity and prognosis in Parkinson’s disease from brain microstructure and connectivity
6. جميع المرضى المصابين بمرض باركنسون يعانون من الرعاش
ليس بالضرورة، حيث إن بعض المرضى يطور لديهم أعراض غير حركية أولاً قبل ظهور الرعاش، بينما قد لا يعاني حوالي 20% من المرضى من الرعاش أبدًا.

7. مرض باركنسون يسبب نوبات مفاجئة من التدهور
على عكس بعض الأمراض مثل التصلب اللويحي المتعدد، لا يحدث التدهور في باركنسون على شكل نوبات مفاجئة، بل يتطور بشكل تدريجي.
إذا ساءت الأعراض بشكل مفاجئ، فقد يكون ذلك بسبب:
- بسبب مضاعفات مابعد العمليات الجراحية
- أخطاء أو نسيان في تناول الأدوية
- آثار جانبية للأدوية
- عدوى
- القلق
لحسن الحظ، يمكن علاج معظم هذه الأسباب.
8. الأدوية هي الحل الوحيد
هناك اعتقاد بأن الأدوية هي الطريقة الوحيدة للتحكم وابطاء مرض باركنسون، ولكن هذا الأمر غير صحيح.
حيث تشير الدراسات إلى أن ممارسة الرياضة بانتظام تساعد في تحسين الأعراض كما قد تبطئ من تقدم المرض، وإن الأشخاص الذين يمارسون الرياضة لمدة لا تقل عن 2.5 ساعة أسبوعيًا يعانون من تدهور أبطأ في جودة حياتهم مقارنةً بالمرضى الآخرين.
كما أن التمارين الرياضية تساعد في تحسين جودة النوم والوظائف الإدراكية لدى المرضى.

9. مرض باركنسون هو مرض مميت
باركنسون ليس مرضًا مميتًا بحد ذاته، لكنه قد يقلل من متوسط العمر المتوقع، وتشمل الأخطار الرئيسية المرتبطة به:
- صعوبة في البلع، مما يزيد من خطر الإصابة بالالتهابات الرئوية
- زيادة خطر السقوط والصدمات
أبحاث واعدة لعلاج مرض باركنسون
لا يزال الباحثون يعملون على فهم المرض بشكل أعمق، وهناك تقدم في الدراسات الجينية المتعلقة بعلاج مرض باركنسون، حيث تم التوصل إلى العديد من الطرق العلاجية التي تخفف من أعراض هذا المرض منها التحفيز العميق للدماغ أو العلاج بالموجات فوق الصوتية. في المستقبل، يأمل العلماء في إيجاد طرق أكثر فعالية للعلاج وربما حتى التوصل إلى علاج شافٍ لهذا المرض.
في الختام، يبقى التثقيف الطبي السليم والرجوع إلى المصادر الموثوقة هو السلاح الأمثل لمواجهة أي مغالطات حول الأمراض المزمنة مثل باركنسون. إن التشكيك في المعلومات غير المثبتة وطلب الاستشارة من المتخصصين هما أساس التعامل الواعي مع المرض. وفي هذا الإطار، يبرز دور المراكز المتخصصة التي تقدم رعاية شاملة تعتمد على أحدث البروتوكولات العالمية. مثل هذه المراكز، وعلى رأسها مركز بيمارستان الطبي، الذي يجمع بين الخبرة الطبية والتقنيات المتطورة لتقديم تشخيص دقيق وخطة علاجية شخصية تضع سلامة المريض وثقته نصب عينيها.
المصادر:
- National Institute of Neurological Disorders and Stroke. (2023, May 25). Parkinson’s disease information page.
- American Parkinson Disease Association. (n.d.). What is Parkinson’s disease?