بعد الثورة التي أحدثتها بعض الطرق العلاجية للرعاش وباركنسون مثل التحفيز العميق للدماغ كان لابد من المتابعة للوصول لعلاج أكثر دقة وأقل أعراض جانبية.
إن علاج الرعاش باستخدام تقنية MRgFUS كان نتيجة تطور الطب العصبي خاصةً في مجال علاج الرعاش الأساسي وداء باركنسون من خلال الوصول إلى طريقة علاجية حديثة وبدون جراحة تعتمد فقط على الأمواج فوق الصوتية والتصوير بالرنين المغناطيسي، وقد كانت تركيا من الدول السبّاقة على مستوى العالم في احتضان هذه التقنية الحديثة وغيرها من التقنيات ضمن مشافي مجهزة بجميع الأحهزة والبنى التحتية اللازمة وبالتعاون مع كوادر طبية على مستوى عالي من الكفاءة والخبرة.
ما هو الرعاش مجهول السبب؟
الرعاش الأساسي أو الرعاش مجهول السبب هو اضطراب حركي يتسبب برعشة في أجزاء من الجسم ولا يمكن التحكم في هذه الرعشة أو منعها. يؤثر الرعاش الأساسي عادةً على اليدين والذراعين وبشكل أقل قد يؤثر على الرأس والصوت وأجزاء أخرى من الجسم.
يمكن أن يعطل هذا المرض في مراحله المتقدمة بعض المهام الأساسية مثل الأكل والشرب وارتداء الملابس. يعاني العديد من الأشخاص أيضاً من مشاعر الحرج أو القلق بشأن أعراض هذه الحالة.
ما الذي يسبب مرض الرعاش؟
لم يصل الأطباء والباحثون لحد الآن إلى سبب واضح للرعاش الأساسي، ولذلك أطلقوا عليه الرعاش مجهول السبب. ومع ذلك هناك أدلة على أنه يحدث بسبب التغيرات في أجزاء معينة من الدماغ. استطاع الباحثون التوصل إلى أن هذا المرض ينتشر في عائلات معينة أي أنه متعلق بالوراثة، وإن حوالي نصف حالات الرعاش الأساسي موروثة بشكل جسمي سائد.
ما هي أعراض مرض الرعاش مجهول السبب؟
الأعراض الرئيسية للرعاش مجهول السبب هي الارتعاش في اليدين عند محاولة استخدامها. يمكن أن تتخذ هذه الارتعاشة أشكالاً مختلفة وتحدث عادةً في ظل ظروف معينة. تشمل الأشكال والظروف التي من المحتمل أن تحدث فيها الرعشة ما يلي:
- الرعشة الحركية: شكل من أشكال الرعشة التي تحدث أثناء الأفعال، مثل الوصول إلى شيء ما.
- الرعشة الوضعية: وهي الرعشة التي تحدث عندما تمسك جزءًا من جسمك في وضعية معينة، مثل إمساك اليد ممدودة وإبقائها على نفس الارتفاع.
غالباً ما يكون الرعاش الأساسي ثنائي الجانب ولكن يؤثر على طرف أكثر من الآخر. إن الرعشة نفسها ليست خطيرة، لكنها يمكن أن تسبب مشاكل في الأنشطة اليومية. قد يواجه الأشخاص المصابون بالرعشة الأساسية لفترة طويلة صعوبة في القيام بأنشطة مثل تناول الطعام باستخدام أدوات الملعقة والشرب من الكوب وارتداء الملابس والكتابة.
تتحسن الرعشة الأساسية أو تسوء في ظل ظروف معينة موضّحة في الجدول التالي:
عوامل تزيد من الرعشة | عوامل تخفف من الرعشة |
القلق أو التعب أو التوتر | الكحول بكميات صغيرة |
بعض الأدوية | الراحة |
ممارسة الرياضة | الكمادات الباردة |
كيف يتم تشخيص مرض الرعاش؟
يمكن للطبيب تشخيص الرعاش الأساسي بناءً على الأعراض والفحص العصبي في العيادة.، حيث لا توجد أي اختبارات يمكنها تأكيد ما إذا كان الشخص يعاني من الرعشة الأساسية أم لا، لذلك فإن الجزء الأهم من عملية التشخيص هو استبعاد الحالات الأخرى التي قد تسبب أعراضاً مماثلة، لذلك يتم الفحوصات التالية:
- فحوصات الدم (تساعد في استبعاد أمراض الغدة الدرقية ومرض ويلسون والتعرض السام للمعادن مثل الرصاص أو المنغنيز)
- فحص التصوير المقطعي المحوسب (CT)
- الاختبارات الجينية
- التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI)
- التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني (PET)
ما هي مراحل علاج الرعاش باستخدام تقنية (MRgFUS)؟
تتمثل الأهداف العلاجية الرئيسية لعلاج مرض الرعاش في تقليل الأعراض الحركية وتحسين نوعية الحياة.
يبدأ الإجراء بإدخال المريض إلى جناح التصوير بالرنين المغناطيسي وتجهيز جهاز التصوير بالرنين المغناطيسي، حيث يوجد خوذة تسمى محول الطاقة وهذه الخوذة تسمح بإرسال حوالي ألف شعاع من الموجات فوق الصوتية. إن كل شعاع لوحده ليس له تأثير ملحوظ، ولكن حين تصطدم كل هذه الحزم الألف في نقطة واحدة يحدث حرق صغير جداً ودقيق للغاية. يمكّن هذا الحرق الموّجه نحو نقطة معينة من تعطيل المشابك غير الطبيعية والتي ترسل الإشارات الشاذة وبالتالي التخفيف من أعراض المرض.
إن النقطة التي يتم استهدافها أثناء علاج الرعاش باستخدام تقنية MRgFUS أصغر من حبة الأرز ويمكن تحريك الإشعاع في الدماغ بدرجة عالية من الدقة إلى اليسار أو اليمين لأن المريض مستيقظ وقد تحدث حركات بسيطة. إن هذه التقنية تؤمن تصوير في الوقت الفعلي ويمكننا رؤية النتائج بشكل شبه فوري، يستغرق هذا الإجراء نفسه حوالي 2 إلى 4 ساعات وعادةً ما يكون في الصباح ويمكن للمريض العودة للمنزل بعد الظهر بشكل طبيعي وبدون شقوق جراحية وبدون شيء مزروع داخل الجسم.
ما هي آلية عمل الموجات فوق الصوتية الموجهة بالرنين المغناطيسي MRgFUS؟
تجمع تقنية الموجات فوق الصوتية الموجهة بالرنين المغناطيسي بين تقنيتين للتصوير للمساعدة في علاج اضطرابات الحركة والأعراض المصاحبة لها. توفر تقنية الرنين المغناطيسي للأطباء صوراً دقيقة لتحديد المنطقة المستهدفة بدقة ثم تقوم الموجات الصوتية عالية التركيز بتدمير هذه المنطقة بشكل دقيق وموجّه.
تصف بعض المجلات هذه التقنية وكأنها سحر، فهي جراحة دماغية دون الحاجة إلى الذهاب إلى غرفة العمليات على الإطلاق.
هل يجب أن أبقى في المستشفى بعد الإجراء؟
في أغلب الحالات لا يوجب سبب لبقاء المريض في المستشفى بعد الإجراء، لكن بعض الجراحين يضعون في اعتبارهم بعض الأمور التي من الممكن أن تؤدي إلى تغيير قرارهم في إخراج المريض من المستشفى بعد MRgFUS مثل: الوقت الذي قضاه المريض تحت التسكين والمساحة المستأصلة بواسطة الموجات فوق الصوتية ومستوى ألم المريض بعد العملية والأمراض المصاحبة عند المريض.
من هم الأشخاص الذين لا يمكنهم العلاج باستخدام تقنية (MRgFUS)؟
إن الطبيب هو الذي يستطيع تقرير من لا يمكنه الخضوع للعلاج بواسطة هذه التقنية، عادةً لا يتمكن الأشخاص الذين لا يستطيعون التعرض إلى التصوير بالرنين المغناطيسي من الخضوع للعلاج، مثل المرضى الذين لديهم غرسات معدنية وصمامات صنعية ومفاصل صنعية وناظم خطى صنعي والمرضى الذين يعانون من الخوف من الأماكن الضيقة والمرضى الذين يعانون من حساسية تجاه المواد الظليلة (وهي صبغة تستخدم أثناء التصوير بالرنين المغناطيسي) والمرضى الذين يزيد وزنهم عن 140 كيلو غرام والمرضى الذين تقل أعمارهم عن 22 عاماً.
الأمراض التي يمكن علاجها بواسطة الموجات فوق الصوتية الموجهة بالرنين المغناطيسي
لا يقتصر هذا العلاج على داء باركنسون، بل يمكن تطبيقه على مجموعة واسعة من الأمراض العصبية فهي تعتمد على ما يُِعرف بـ “التعديل العصبي”، حيث تُستخدم الموجات فوق الصوتية لتحفيز أو تثبيط النشاط العصبي في مناطق معينة من الدماغ. ما يلي مجموعة من الأمراض التي يمكن علاجها أو تحسين أعراضها بواسطة الموجات فوق الصوتية:
- داء باركنسون المعند على العلاج الدوائي
- الرعاش الأساسي (ET)
- الاكتئاب
- الإدمان، وذلك باستهداف النواة المتكئة “مركز إحساس السعادة” في الدماغ والتي تلعب دوراً كبيراً في الإدمان
- بدأت أيضاً دراسات سريرية لاستخدامها في علاج اضطراب ما بعد الصدمة ومرض الزهايمر
ماذا يتوقع مريض الرعاش بعد العلاج بتقنية MRgFUS؟
تعتبر هذه التقنية علاج جديد ومتطور ينطوي على مزايا عديدة تجعلها الطريقة الأفضل عند أغلب المرضى المصابين بداء باركنسون، ومنها:
- الشفاء الفوري والدائم من الرعاش عند 90% من المرضى
- عدم الحاجة للشقوق الجراحية والخياطة بعد العملية
- عدم الحاجة لزرع جسم غريب داخل الجمجمة
- الوقت القصير الذي يستغرقه هذا الإجراء
- ألم بسيط فقط أثناء الإجراء
- القدرة على تثبيت اليد والقيام بالأعمال الروتينية بشكل أفضل
مخاطر علاج الرعاش باستخدام تقنية MRgFUS
هناك احتمال قليل لتلف الأنسجة السليمة بالقرب من منطقة العلاج ويتم تقليل هذا الضرر المحتمل من خلال التحكم الدقيق في مكان ضربة الإشعاع وفي مدة العلاج.
الآثار الجانبية التي تظهر أثناء العلاج تشمل بشكل رئيسي ما يلي:
- الصداع والشعور بالدوار والذي عادة ما يزول في نهاية العلاج
- قد يعاني بعض المرضى بعد العلاج من الشعور بعدم التوازن عند المشي واضطراب في تناسق حركات اليد واضطراب في حاسة التذوق
تختفي هذه الآثار الجانبية عند معظم المرضى بعد شهر من العلاج، وفي حالات قليلة جداً قد تبقى بعض الأعراض لفترة أطول.
مستقبل تقنية الموجات فوق الصوتية الموجهة بالرنين المغناطيسي
يمكن أن تقدم الموجات فوق الصوتية المركزة بديلاً للخزعات التقليدية بشكل أقل إزعاجاً وألماً للمريض، وبنفس الوقت يمكن أن تقدم معلومات ونتائج أكثر دقة وسرعة.
وضح جون لويس، أستاذ علم الأورام بجامعة ألبرتا، كندا: “إن الخزعة الجسدية هي إجراء شديد التوغل وخاصةً تلك المأخوذة من العظام حيث توجد نقائل سرطان البروستاتا، لكن استخدام الموجات فوق الصوتية المركزة عالية الطاقة لإطلاق عوامل معينة خارج الخلية هي طريقة غير جراحية تماماً لالتقاط نفس المعلومات المأخوذة من الخزعة.
يعمل الأطباء حالياً بالتعاون مع خبراء في العلوم الحيوية والهندسة الطبية على تطوير تقنية جديدة للموجات فوق الصوتية الموجهة بالرنين المغناطيسي تسمى تفتيت الأنسجة الدقيقة، تنطوي هذه التقنية على تسييل أحجام صغيرة من الأنسجة لتحرير واسمات سرطانية معينة موجودة في الخلايا السرطانية وغائبة في خلايا الدم ليتم إطلاقها بواسطة الموجات فوق الصوتية.
يؤكد الأطباء أن مستقبل هذه التقنية هو اكتشاف حتى الخلايا السرطانية المفردة الموجودة في عدة ملليلترات من الدم.
كما هو الحال مع أي تقنية جديدة سيكون هناك تحديات كبيرة قبل أن تصبح هذه التقنية هي حجر الأساس في تشخيص السرطان بدلاً من الخزعات التقليدية. حوالي 100 ألف مريض عولجوا بالموجات فوق الصوتية المركزة الموجهة بالرنين المغناطيسي في عام 2022، ويمكن أن ينمو هذا العدد بشكل كبير مع انخفاض التكاليف وبدء المزيد من المستشفيات والمراكز الطبية في تقديمها لمجموعة أوسع من الحالات.
مقارنة بين التحفيز العميق للدماغ وعلاج الرعاش باستخدام تقنية MRgFUS
بدأ التطبيق السريري للتحفيز العميق للدماغ قبل عقود من (MRgFUS). عادةً يوصى باستخدام تقنية التحفيز العميق للدماغ للتخفيف من التقلبات الحركية (وهي تغيرات في القدرة على الحركة بين الأوقات التي يعمل بها الدواء بشكل جيد وبين الأوقات المعاكسة) وعسر الحركة والرعشة المقاومة للأدوية، ولكن بعد الدراسة المفصلة لعلاج الرعاش باستخدام تقنية MRgFUS أكد الأطباء أنها فعالة أيضاً بالحالات السابقة.
يكمن الفرق الأساسي بينهما في أن الموجات فوق الصوتية الموجّهة هي علاج دائم ولا يمكن عكسه في حال نجاحه، في حين يمكن عكس علاج التحفيز العميق للدماغ في حال إيقافه، ويكمن الاختلاف الآخر في أن (MRgFUS) هي تقنية تتم بدون إحداث شقوق ولا يتم وضع أي أجهزة في الجسم.
هناك العديد من الطرق الأخرى المحتملة التي يمكن بها استخدام MRgFUS في الدماغ. إن علاج الرعاش الأساسي هو مجرد خطوة من عدد كبير من الخطوات التي سيتم تطويرها. قد تشمل التطبيقات المستقبلية حالات مثل الأورام والصرع والخرف، حيث ستكون هذه المجالات قابلة للبحث والتطوير في السنوات القادمة.
المصادر: