يعد بتر الأطراف من أكثر التحديات الطبية والنفسية تعقيداً، لما يترتب عليه من آثار وظيفية واجتماعية طويلة الأمد، ويعد السياق العلاجي لمرضى بتر الأطراف عملية من عدة مراحل تهدف إلى استعادة الوظيفة الجسدية والنفسية للمريض.
يبلغ عدد المصابين ببتر في الأطراف في العالم حوالي 57.7 مليون شخص، مما يؤكد أهمية الاعتناء بمرضى بتر الأطراف بدءاً من التقييم الأولي حتى تأهيل مبتوري الأطراف وتركيب الطرف الصناعي وتحقيق استقلالية المريض.
المرحلة الأولى: تقييم الحالة الطبية بعد البتر
في بداية السياق العلاجي لمرضى بتر الأطراف يتم التقييم الذاتي، الذي يشمل التاريخ المرضي للحالة الحالية، والتاريخ الطبي السابق، والتاريخ الدوائي، بالإضافة للتاريخ الاجتماعي للمريض، ويتم أيضاً التقييم الموضوعي الذي يشمل تقييم مدى حركة المفاصل، وقوة عضلات الطرف المبتور وسلامة الجلد، ويجب فحص الوظائف الحيوية مثل الحرارة والنبض والضغط الدموي وسكر الدم، بالإضافة لتقييم الحالة النفسية في حال وجود اكتئاب أو عدم تقبل البتر.
فحص الجرح، وتقييم الألم، وفحوصات الدورة الدموية
بعد عملية البتر يتم تضميد الجرح وفحصه للتأكد من عدم وجود التهاب أو تقيح، ويمكن استخدام أنبوب تصريف للمساعدة بإزالة السوائل الزائدة، أما بالنسبة للألم قد يشعر الأشخاص بألم يبدو وكأنّه في الطرف المبتور، ويعرف هذا بألم الطرف الشبحي (Phantom Limb Pain)، وهذا الألم حقيقي، لكن مكانه خاطئ، ويكون أكثر احتمالاً إذا كان الألم قبل البتر شديد أو استمر لفترة طويلة وغالباً ما يكون هذا الألم أشد في الفترة الأولى بعد البتر، ثم يخف تدريجياً مع مرور الوقت، ويزداد في كثير من الحالات مثل عدم ارتداء الطرف الصناعي أثناء الليل.
كما يعد فحص الدورة الدموية مهم جداً، مثل فحص النبض في الشرايين القريبة من موقع البتر، إذ أنّ غياب النبض يشير إلى ضعف التروية، واختبار إعادة الامتلاء الشعري، من خلال الضغط على الجلد ثم تركه وقياس الوقت الذي يستغرقه للعودة إلى لونه الطبيعي، إذ أنّ مرور أكثر من 3 ثواني على هذا الاختبار قد يدل على ضعف التروية، بالإضافة لما سبق يجب قياس درجة حرارة الجلد ولونه، إذ يشير اللون الشاحب أو المزرق إلى ضعف التروية.
المرحلة الثانية: العناية بالجروح والتأهيل المبكر
يتم في المرحلة الثانية من السياق العلاجي لمرضى بتر الأطراف العناية بالجروح، يتم في هذه المرحلة مراقبة الطبيب لالتئام الجروح وأي ظروف قد تتداخل مع الشفاء مثل مرض السكري أو تصلب الشرايين، كما يصف الطبيب الأدوية لتخفيف الألم والمساعدة في منع العدوى إن وجدت، ومن الناحية المثالية، يجب أن يلتئم الجرح بالكامل في غضون أربعة إلى ثمانية أسابيع، كما يبدأ الفريق المختص بالتأهيل المبكر للمريض من خلال تهيئة المريض بدنياً ونفسياً لتركيب الطرف الصناعي في أسرع وقت ممكن وتقليل المضاعفات طويلة الأمد.
منع المضاعفات مثل التقرحات أو التيبس العضلي
يتم منع التقرحات من خلال العناية بالجلد واستخدام الجوارب الضاغطة لتقليل التورم، وترطيب الجلد بواسطة مرطبات جلدية غير مهيجة لتجنب التجفاف والتشقق، كما يتم الوقاية من التيبس العضلي الذي يؤدي إلى تقييد حركة المفصل، ومن الضروري الوقاية من التقلصات مبكراً، لأنها قد تصبح دائمة وتعيق ارتداء الطرف الصناعي، وتصعب المشي وتزيد الحاجة إلى المشاية أو الأجهزة المساعدة، حيث يقوم أخصائي العلاج الطبيعي بالحفاظ على وضعية سليمة ومدى حركة طبيعي في الطرف، ويقوم بتعليم المريض تمارين الإطالة والوضعيات المناسبة.

المرحلة الثالثة: الدعم النفسي والاجتماعي للمريض
يعد الدعم النفسي والاجتماعي حجر الأساس في إعادة تأهيل المريض، من خلال تقنيات العلاج السلوكي المعرفي (CBT) لتعديل الأفكار السلبية، بالإضافة إلى الدعم الأسري والمجتمعي من خلال إشراك العائلة في خطة التأهيل ومن خلال مجموعات الدعم لتبادل الخبرات والدعم العاطفي، كما يمكن توعية المريض بحقوقه مثل أجهزة المساعدة والإعفاءات.
دور الأخصائي النفسي في تقبّل الإعاقة الجديدة
عن طريق تحليل وضع المريض قبل وبعد الحادث، ولا بد من التركيز على إيجابيات الإجراء وتوضيحها للمريض، كتوضيح أنّ البتر والتخلص من جزء من جسده كان ضرورياً لتجنب خسارة الحياة، بالإضافة إلى ذكر إيجابيات ما حدث له على الجانب النفسي والصحي، وبالإضافة إلى توقف الألم ونجاته من الموت فهو يستطيع استكمال حياته من جديد عن طريق تركيب طرف اصطناعي يجعله يمارس حياته بشكل شبه طبيعي.
المرحلة الرابعة: اختيار وتصميم الطرف الصناعي المناسب
في هذه المرحلة من السياق العلاجي لمرضى بتر الأطراف يتم تصميم وتركيب طرف اصطناعي لمعظم الأشخاص، ويمكن أن تشمل الأطراف الاصطناعية ما يلي، الأطراف الإلكترونية، أو أطراف صناعية تجميلية من السيليكون، كما يمكن للمرضى الرياضيين تركيب أطراف صناعية رياضية.
تقييم موضع البتر ونوع الطرف الصناعي الأنسب
يتم اختيار نوع الطرف الصناعي المناسب من خلال تقييم موضع البتر، فإنّ اختلاف مستوى البتر قد يؤثر في اختيار الطرف الصناعي مثل حالات بتر فوق الركبة، يحتاج المريض إلى مفصل ركبة صناعي، أما في حالات بتر تحت الركبة فتكون الحالة أكثر استقراراً وأسهل في الاستخدام، كما أنّ حالة الطرف المتبقي مثل وجود ندبات أو حساسية أو تقرحات تؤثر في اختيار الطرف الأنسب، بالإضافة لذلك فإنّ أهداف المريض قد تؤدي إلى اختيار أطراف صناعية مختلفة.
المرحلة الخامسة: التدريب على استخدام الطرف الصناعي
في المرحلة الخامسة من تأهيل مبتوري الأطراف وبعد تركيب الطرف الصناعي، يتم تدريب المريض على استخدام الطرف الصناعي وتعد هذه المرحلة خطوة أساسية بعد البتر من أجل استعادة قدرة المريض على الحركة والاستقلالية، حيث يشمل التدريب تمارين التوازن والمشي بالإضافة إلى القدرة على التحكم بالطرف الجديد، من أجل تعويض الطرف المفقود بأمان وكفائة.

تمارين التوازن، والمشي، والتحكم بالطرف الجديد
إذ يتم تدريب المريض على الوقوف بثبات على الطرف الصناعي بجانب ممشى أو دعامة وتدريبه على نقل الوزن من الطرف السليم إلى الطرف الصناعي تدريجياً، بعد ذلك يتم تدريب المريض على الوقوف على سطح غير مستوي لتحفيز استجابة التوازن، تساعد هذه التمارين على منع سقوط المريض وتحسين استقرار الوقوف والمشي.
أما بالنسبة لتمارين المشي، يتم تدريب المريض على استخدام المشاية أو عكازات ثم تقليل الدعم تدريجياً، ويتم تصحيح نمط المشي لتقليل التعثر والإجهاد، بعد ذلك يتم تدريب المريض على صعود ونزول السلالم، كما يجب تعليم المريض على التحكم بالطرف الجديد من خلال تكرار الأنشطة اليومية مثل الجلوس والوقوف أو التقاط الأغراض لتقوية التحكم والدقة.

المرحلة السادسة إعادة التأهيل الوظيفي والمتابعة المستمرة
في المرحلة الأخيرة من السياق العلاجي لمرضى بتر الأطراف، يتم إعادة التأهيل الوظيفي التي تهدف إلى استعادة قدرة المريض على أداء أنشطته اليومية باستقلالية باستخدام الطرف الصناعي أو من خلال استراتيجيات تعويضية، ويتم ذلك بتدريب المريض على الأنشطة اليومية وتقوية العضلات وتمارين المرونة بالإضافة لتدريب الأطراف السليمة لتأدية مهام تعويضية.
تعديل الطرف الصناعي مع الوقت حسب حاجة المريض
مع مرور الوقت، يتغير جسم المريض مثل حجم الطرف المبتور، مما يستدعي تعديلات منتظمة لضمان الراحة، والكفاءة الحركية والوقاية من التقرحات أو الألم، بالإضافة لتوافق الطرف مع النشاط اليومي، وقد يتعدل الطرف الصناعي بناءً على أسباب عديدة، منها:
- تغير في شكل الطرف المبتور
- تغيرات في نمط المشي أو النشاط
- ظهور ألم أو نقاط ضغط
- نمو الأطفال
- تغير في الوزن
أهمية المتابعة الدورية والفحوص المستمرة في السياق العلاجي لمرضى بتر الأطراف
تكتسب المتابعة الدورية والفحوص المستمرة أهمية كبيرة في السياق العلاجي لمرضى بتر الأطراف، من خلال رصد التغيرات في الطرف المبتور مثل انكماش أو تورم الطرف والكشف عن نقاط ضعف أو تقرحات جلدية، كما يقوم الطبيب في المتابعة الدورية بضبط وتعديل الطرف الصناعي، كما تسهم الفحوص المستمرة في الوقاية من المضاعفات مثل التقرحات ومشاكل عمود الفقري بسبب خلل في التوازن، بالإضافة لتقييم الأداء الوظيفي والدعم النفسي والاجتماعي.
في الختام، يمثل السياق العلاجي لمرضى بتر الأطراف مساراً متكاملاً من أجل التأهيل الجسدي والنفسي بهدف تمكين المريض من استعادة استقلاليته وجودة حياته، ويكون نجاح هذه العملية مرهوناً بتعاون فريق متعدد الاختصاصات، وإنّ تبني نهج علاجي شمولي ومبني على الأدلة يضمن تحقيق أفضل النتائج العلاجية والتأهيلية لهؤلاء المرضى.
المصادر:
- Demir, Y., & Aydemir, K. (2020). Gülhane lower extremity amputee rehabilitation protocol: A nationwide, 123-year experience. Turkish Journal of Physical Medicine and Rehabilitation,
- U.S. Department of Defense. (2022).The management of upper limb amputation rehabilitation: VA/DoD clinical practice guideline. Veterans Health Administration & Office of Quality & Patient Safety. Retrieved