يُعد اضطراب ثنائي القطب من الاضطرابات النفسية المزمنة التي تؤثر على المزاج والطاقة ومستوى النشاط اليومي. يتميز بنوبات متكررة من الهوس والاكتئاب، مما يجعل المصاب به يعاني من تقلبات مزاجية حادة قد تؤثر على حياته الشخصية والمهنية. لذا، فإن فهم أسباب مرض ثنائي القطب يلعب دوراً مهماً في التعامل معه والحد من تأثيراته السلبية.
على الرغم من أن السبب الدقيق لهذا الاضطراب لا يزال غير مفهوم بالكامل، إلا أن الأبحاث تشير إلى وجود عدة عوامل تؤثر في نشأته، بما في ذلك العوامل الوراثية والتغيرات الكيميائية في الدماغ والتأثيرات البيئية. لذلك، فإن التعمق في دراسة أسباب مرض ثنائي القطب يساعد على تطوير أساليب علاجية أكثر فعالية وتحسين جودة حياة المصابين به.
ما هو اضطراب ثنائي القطب؟
ثنائي القطب هو اضطراب نفسي يتميز بتقلبات مزاجية حادة تتراوح بين نوبات الهوس أو الهوس الخفيف ونوبات الاكتئاب. خلال نوبات الاكتئاب، يشعر المصاب بالحزن الشديد وفقدان الاهتمام بالحياة، بينما في نوبات الهوس، يشعر بالنشاط المفرط والفرح المبالغ فيه أو التهيج غير المعتاد. يمكن أن تحدث هذه التقلبات المزاجية على فترات متباعدة أو بشكل متكرر خلال العام، وقد تؤثر على النوم والطاقة والسلوك واتخاذ القرارات. رغم أن اضطراب ثنائي القطب يستمر مدى الحياة، إلا أنه يمكن التحكم في أعراضه من خلال الأدوية والعلاج النفسي.
أنواع اضطراب ثنائي القطب
- الاضطراب ثنائي القطب من النوع الأول: يتميز بنوبات هوس شديدة قد تتطلب العلاج في المستشفى وقد تصاحبها فترات من الهوس الخفيف أو الاكتئاب.
- الاضطراب ثنائي القطب من النوع الثاني: يتضمن نوبات من الاكتئاب الشديد والهوس الخفيف دون الوصول إلى الهوس الكامل.
- اضطراب المزاج الدوري: يعاني المصاب من تقلبات مزاجية خفيفة تدوم لمدة عامين على الأقل.
- أنواع أخرى: قد تحدث أعراض ثنائي القطب بسبب بعض العقاقير أو الحالات الطبية مثل السكتة الدماغية أو التصلب المتعدد.
ما الفرق بين اضطراب الشخصية الحدية والاضطراب ثنائي القطب؟
رغم أن اضطراب الشخصية الحدية والاضطراب ثنائي القطب يتشاركان في بعض الأعراض ويُخلط بينهما في كثير من الأحيان، إلا أنهما حالتان مختلفتان تماماً.
اضطراب الشخصية الحدية يتميز بنمط مستمر من التقلبات المفاجئة في المزاج والسلوك والصورة الذاتية، ويحدث ذلك عادة نتيجة صراعات في العلاقات مع الآخرين. من الأعراض الشائعة في هذا الاضطراب أيضاً إيذاء النفس غير الانتحاري وهو أمر لا يُلاحظ في الاضطراب ثنائي القطب.
أما الاضطراب ثنائي القطب فيختلف عن اضطراب الشخصية الحدية من حيث أنه يتضمن نوبات مميزة وطويلة الأمد من الهوس أو الهوس الخفيف إضافةً إلى نوبات الاكتئاب. هذه النوبات قد تحدث بسبب مجموعة متنوعة من العوامل مثل تغيرات في النوم والتوتر والأدوية أو تعاطي المواد.
أهم أسباب مرض ثنائي القطب
على الرغم من عدم معرفة أسباب مرض ثنائي القطب بدقة، إلا أن هناك عدة عوامل قد تلعب دوراً في ظهوره، مثل:
- الاختلافات البيولوجية: أظهرت الدراسات أن الأشخاص المصابين باضطراب ثنائي القطب لديهم تغيرات فيزيائية في أدمغتهم، إلا أن أهمية هذه التغيرات وتأثيرها على المرض لا تزال غير واضحة، ويتطلب الأمر المزيد من الأبحاث لفهم دورها.
- العوامل الوراثية: يعتبر اضطراب ثنائي القطب أكثر شيوعاً لدى الأشخاص الذين لديهم قريب مصاب من الدرجة الأولى مثل أحد الوالدين أو الأشقاء، ولا يزال الباحثون يحاولون تحديد أسباب مرض ثنائي القطب والجينات المرتبطة فيها.
- التوتر والضغط النفسي: إن المرور بفترات من التوتر الشديد مثل فقدان شخص عزيز أو التعرض لحادث صادم هو من أهم أسباب مرض ثنائي القطب.
- تعاطي المخدرات: مثل إدمان الشبو والكوكائيين أو الإفراط في تناول الكحول.
- العدوى: الإصابة بإنتان طفيلي التوكسوبلازما القندية المسبب لداء المقوسات قد يكون مرتبطاً بزيادة خطر الإصابة بمرض ثنائي القطب.
رغم عدم وضوحها، فإن أسباب مرض ثنائي القطب قد تكون نتيجة تفاعل العوامل البيولوجية والوراثية والبيئية معاً لتؤدي إلى الإصابة باضطراب ثنائي القطب، مما يجعل التشخيص والعلاج يعتمد على فهم العوامل المؤثرة لكل حالة بشكل فردي.

أعراض مرض ثنائي القطب
يعاني الأشخاص المصابون باضطراب ثنائي القطب من تقلبات مزاجية حادة تؤثر على حياتهم اليومية. تتراوح هذه التقلبات بين نوبات من النشاط المفرط والطاقة العالية المعروفة بالهوس أو الهوس الخفيف، وفترات من الاكتئاب العميق الذي يجعل حتى المهام البسيطة تبدو صعبة. هذه التغيرات لا تتبع نمطاً ثابتاً، فقد تستمر لفترات قصيرة أو تمتد لأسابيع وتختلف شدتها من شخص لآخر.
أعراض الهوس والهوس الخفيف
يتميز الهوس بمستويات عالية من النشاط والطاقة، إلا أنه قد يكون أكثر حدة وقد يؤدي إلى فقدان الاتصال بالواقع (الذهان)، وتشمل الأعراض ما يلي:
- فرط النشاط أو الشعور بثقة مفرطة بالنفس
- قلة الحاجة إلى النوم
- التحدث بسرعة غير عادية وتشتت الانتباه
- اتخاذ قرارات متهورة مثل الإنفاق غير العقلاني أو المخاطرات غير المدروسة
أعراض الاكتئاب الشديد
خلال نوبة الاكتئاب، يواجه الشخص صعوبة في أداء الأنشطة اليومية بسبب الأعراض التالية:
- الشعور بالحزن أو اليأس أو الفراغ
- فقدان الاهتمام بالأنشطة اليومية
- تغيرات كبيرة في الوزن والشهية
- اضطرابات النوم والشعور المستمر بالتعب
- صعوبة التركيز واتخاذ القرارات
- التفكير في الانتحار أو محاولة القيام به

أعراض إضافية واضطرابات مرتبطة بأسباب مرض ثنائي القطب
قد يعاني المصابون بثنائي القطب من أعراض إضافية مثل القلق الشديد أو الذهان أو التقلبات المزاجية السريعة. قد تتغير الأعراض تبعاً للمواسم أو أثناء الحمل وقد تكون أكثر تعقيداً لدى الأطفال والمراهقين بسبب صعوبة التمييز بينها وبين التقلبات العاطفية الطبيعية.
كيفية تشخيص مرض ثنائي القطب
إذا اشتبه الطبيب في الاضطراب ثنائي القطب أو حالة صحية عقلية أخرى، فسيقوم بإحالة إلى أخصائي صحة عقلية مثل الطبيب النفسي. يبدأ الأخصائي بالتحدث مع المريض عن مزاجه وسلوكه وصحته العامة بالإضافة إلى استعراض تاريخه العائلي لمعرفة ما إذا كانت هناك عوامل وراثية تلعب دوراً في ذلك.
قد يستغرق تشخيص الاضطراب ثنائي القطب بعض الوقت نظراً لتنوع الأعراض واختلاف تأثيره من شخص لآخر، فضلاً عن تشابه الأعراض مع اضطرابات صحية عقلية أخرى. يتضمن التشخيص عادةً عدة خطوات تشمل:
- الفحص البدني: حيث يقوم الطبيب بإجراء فحص بدني واختبارات مخبرية للتحقق من أي مشكلات طبية قد تكون مسؤولة عن الأعراض.
- تقييم الصحة العقلية: يتم إحالة المريض إلى الطبيب النفسي الذي يقوم بمناقشة المريض بمشاعره وسلوكه وقد يطلب منه الإجابة على مجموعة من الأسئلة. قد يتصل الطبيب بأفراد الأسرة أو الأصدقاء المقربين للحصول على مزيد من المعلومات حول الأعراض.
- تخطيط الحالة المزاجية: قد يُطلب من المريض الاحتفاظ بسجل يومي لحالته المزاجية أو ملاحظات حول نومه وأنماط سلوكه الأخرى، مما يساعد الأطباء في التوصل إلى التشخيص الصحيح ووضع خطة علاج مناسبة.
التشخيص عند الأطفال
يتم استخدام نفس المعايير التي تُطبق على البالغين عند تشخيص الأطفال والمراهقين المصابين بالاضطراب ثنائي القطب، لكن الأعراض قد تكون مختلفة في هذه الفئات العمرية. في كثير من الأحيان، قد لا تتناسب الأعراض مع الفئات المحددة للتشخيص وقد يتم تشخيص الأطفال بحالات أخرى مثل اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه (ADHD) أو مشاكل سلوكية، مما قد يُعقّد التشخيص. في مثل هذه الحالات، قد يحتاج الأطفال إلى استشارة طبيب نفسي متخصص في حالات الاضطراب ثنائي القطب لدى الأطفال.
طرق علاج مرضى ثنائي القطب
يُعد العلاج المناسب للاضطراب أمراً بالغ الأهمية بعد تحديد أسباب مرض ثنائي القطب بدقة، حيث يهدف إلى تحسين الأعراض وتنظيم المزاج على المدى الطويل. من الأفضل أن يتولى العلاج طبيب نفسي يتمتع بالخبرة في علاج الاضطراب ثنائي القطب.
لأن اضطراب ثنائي القطب هو حالة مزمنة تستمر مدى الحياة فإن التعامل معه يتطلب علاج المستمر لإدارة الأعراض وتجنب النوبات الحادة. يعتمد العلاج على احتياجات كل فرد وقد يشمل العديد من الخيارات، من بينها:
أدوية علاج مرض ثنائي القطب
غالباً ما يتطلب العلاج البدء في تناول الأدوية المعدلة للمزاج التي تشمل الأدوية الرئيسية التالية:
- مثبتات المزاج: مثل الليثيوم وحمض الفالبرويك، التي تساعد في التحكم في نوبات الهوس والاكتئاب.
- مضادات الذهان: مثل أولانزابين وريسبيريدون، التي تعمل كمثبتات للمزاج وتساعد في السيطرة على نوبات الهوس.
- مضادات الاكتئاب: قد يصف الطبيب مضادات الاكتئاب بحذر، لأنها قد تثير نوبات هوس عند استخدامها بدون مثبتات المزاج.
- أدوية مضادة للقلق: مثل البنزوديازيبينات، التي تستخدم عادة على المدى القصير لتخفيف القلق وتحسين النوم.
الآثار الجانبية للأدوية
قد يعاني المرضى من بعض الآثار الجانبية نتيجة الأدوية. ومع الوقت، قد تتحسن الآثار الجانبية مع تعديل الجرعة أو التكيف مع الدواء. من المهم أن يتعاون المريض مع أخصائي الرعاية الصحية لاختيار الأدوية الأنسب له.
من المهم الاستمرار في تناول الأدوية طوال الحياة حتى في حال تحسن الأعراض، لأن التوقف عن العلاج قد يؤدي إلى نكس الأعراض أو تفاقمها.
العلاج بالكلام
يمكن أن يساعد العلاج الأولي والطويل الأمد في منع عودة الأعراض. يمكن أن يساعد العلاج بالكلام الأطفال والمراهقين على التكيف بشكل أفضل والتعامل مع صعوبات التعلم وتحسين المشكلات الاجتماعية وتقوية الروابط الأسرية والتواصل. إذا لزم الأمر، يمكن للعلاج بالكلام علاج مشاكل تعاطي الكحول أو المخدرات الشائعة لدى الأطفال الأكبر سناً والمراهقين المصابين بالاضطراب ثنائي القطب.

التثقيف النفسي
يمكن أن يشمل التثقيف النفسي التعرف على أعراض وأسباب مرض ثنائي القطب وكيف تختلف عن السلوك المرتبط بعمر الطفل والموقف والسلوك الثقافي المناسب. معرفة المزيد عن الاضطراب ثنائي القطب يمكن أن تساعد أيضاً في دعم الطفل.
العلاج بالإيقاع الشخصي والاجتماعي (IPSRT)
يركز على تحسين إيقاعات الحياة اليومية والبيولوجية للحد من نوبات الهوس أو الاكتئاب.العلاج المرتكز على الأسرة: يهدف إلى تحسين التواصل بين أفراد الأسرة وتقديم التثقيف النفسي.
العلاج السلوكي المعرفي
يساعد المرضى على تحليل أفكارهم وعواطفهم والعمل على تبني أنماط تفكير أكثر إيجابية وصحية.
استراتيجيات الإدارة الذاتية
تتضمن استراتيجيات مثل التثقيف وتحديد الأعراض المبكرة لنوبات الهوس أو الاكتئاب أو المحفزات المحتملة التي تؤدي إلى النوبات. يمكن أن تساعد هذه الاستراتيجيات في السيطرة على الحالة وتحسين الحياة اليومية.
عادات نمط الحياة المفيدة
من الأمور المهمة التي تدعم العلاج هي تبني عادات صحية مثل:
- ممارسة التمارين الرياضية لتحسين المزاج والصحة العامة
- ممارسة اليوغا والتأمل لتقليل التوتر وتحسين الحالة النفسية
- الاحتفاظ بمذكرات يومية أو مخطط للحالة المزاجية يساعد في تحديد المحفزات التي قد تساهم في النوبات
- جدول نوم صحي مهم لتنظيم المزاج ومنع التقلبات
إن هذه العادات الصحية لا تحل محل العلاج الطبي، إلا أنها تلعب دوراً مساعداً في تحسين الأعراض.
برامج العيادات الخارجية المكثفة أو العلاج الجزئي في المستشفى
توفر هذه البرامج دعماً مكثفاً يتضمن جلسات استشارية مستمرة لمساعدة المرضى على إدارة الأعراض. قد يحتاج المريض في حالات الطوارئ أو الخطر إلى البقاء في المستشفى لمتابعة العلاج.
العلاج بالصدمات الكهربائية (ECT)
في الحالات التي لا تستجيب للأدوية أو عندما يكون من الضروري السيطرة السريعة على الأعراض قد يتم استخدام العلاج بالصدمات الكهربائية (ECT). يُستخدم هذا العلاج بشكل خاص لعلاج الاكتئاب الشديد والمقاوم للأدوية أو نوبات الهوس المهددة للحياة.
نظراً لأن الاضطراب ثنائي القطب هو حالة مستمرة فإن العلاج يتطلب التزاماً طويل الأمد. قد تستغرق خطة العلاج عدة أشهر أو حتى سنوات للوصول إلى الحل المثالي.
في مركز بيمارستان الطبي، نحن ندرك أن الاضطراب ثنائي القطب هو حالة مستمرة تتطلب التزاماً طويل الأمد للعلاج وأن تنوع أسباب مرض ثنائي القطب يجعل من الصعب تشخيصه بشكل مناسب. فريقنا المتخصص يعمل جنباً إلى جنب معك لتطوير خطة علاج شاملة قد تستغرق عدة أشهر أو حتى سنوات للوصول إلى الحل الأفضل. نحن هنا لنقدم لك الدعم المستمر والرعاية المخصصة لتحقيق استقرارك العاطفي والنفسي وتحسين جودة حياتك.
المصادر: