إن جراحة سرطان الرئة أو استئصال سرطان الرئة جراحياً يعتبر هو الخيار الأمثل لعلاج سرطان الرئة في مراحله الثلاثة الأولى عندما يكون السرطان حجمه مناسب وغير غازي للأنسجة الآخرى بشكل عميق وعندما لا يوجد انتقالات بعيدة ولكن للأسف فإن معظم المرضى الذين يتم تشخيصهم بسرطان الرئة يكون السرطان في مراحله المتأخرة ويصعب استئصال السرطان كاملاً لديهم.
إذ تبلغ نسبة السرطانات الرئوية التي يمكن استئصالها عند التشخيص حوالي 25 إلى 30 بالمئة فقط في سرطان الرئة غير صغير الخلايا بينما تقل هذه النسبة كثيراً في سرطان الرئة صغير الخلايا بسبب تموضه المركزي حول الشرايين الكبيرة1.
كيف يتم اجراء جراحة سرطان الرئة؟
توجد طريقتان رئسيتان لاستئصال سرطان الرئة، ويعتمد اختيار الطريقة على عدة عوامل منها موقع الورم وحجمه ومرحلته، إضافةً إلى خبرة الجرّاح ومتابعته لآخر الدراسات والأخبار الطبية.
جراحة فتح الصدر (بضع الصدر)
تسمى أيضاً الجراحة المفتوحة أو التقليدية وتُجرى هذه الجراحة من خلال شقّ جراحي عرضي على جانب القفص الصدري. تتطلّب هذه الطريقة قطع بعض عضلات جدار الصدر واستخدام أداة خاصة لفتح مسافة بين ضلعين لإتاحة وصول الجرّاح إلى الرئة. عند إغلاق الشق، تُخاط العضلات التي تم قطعها أثناء العملية.
يتم اجراء هذه العملية في الكتل الكبيرة جداً والتي لا يمكن اخراج الكتلة فيها من شقوق صغيرة, كما أنها مازالت مُتبعة أحياناً في بعض الدول الغير متطورة علمياً.
الجراحة طفيفة التوغّل
تُجرى هذه الجراحة عادةً عبر عدة شقوق صغيرة يتراوح عددها بين 1 و4 شقوق للوصول إلى الرئة. تٌقسم إلى قسمين:
- جراحة الصدر التنظيرية بمساعدة الفيديو: يستخدم الجرّاح كاميرا لرؤية الرئة وأدوات خاصة لإجراء الجراحة. وحالياً يتم اجراء هذه العملية عبر منفذ جراحي وحيد بطول 3 – 4 سم فقط.
- جراحة الصدر الروبوتية: تم اجراء أول عملية استئصال فص بواسطة الروبوت عام 2001 وبعدها بدأ العدد بازدياد بشكل كبير مع تطور الروبوت وتأقلم الجراحين عليه2.
المزايا
- تدخّل جراحي أقل: بسبب أن الشقوق صغيرة جداً لذلك يكون الضرر المطبق على المريض أقل.
- تعافٍ أسرع: يغادر المرضى المستشفى غالباً بعد مدة أقل من الجراحة المفتوحة.
- ألم أقل: الشقوق الأصغر تؤدي إلى ألم أقل بعد العملية. كما أن الشقوق الأكبر في بضع الصدر تؤدي إلى قطع أنواع أكثر من الأنسجة كالعضلات والأعصاب والعظام
- مضاعفات أقل:بسبب أن الكاميرا تُكبر الرؤية لذلك يكون النزف أقل بكثير كما أن صغر الشق يؤدي إلى عدوى أقل وبالتالي مضاعفات أقل3.
تقنية خاصة: تنظير الصدر من منفذ واحد
تُجرى هذه التقنية من خلال شق واحد فقط بدلاً من عدة شقوق بطول 3 – 4 سم ، مما يجعلها خياراً أقل توغّلاً ويوفّر راحة أكبر للمريض وتسريعاً لعملية التعافي. بدأ استخدام هذه التقنية في الجراحة التنظيرية واليوم يتم استخدامها بشكل موسع في الجراحة الروبوتية أيضاً. ولها مضاعفات أقل ومدة بقاء أقل في المشفى.
أنواع جراحات استئصال سرطان الرئة
تختلف نوع استئصال سرطان الرئة باختلاف عدة عوامل منها حجم السرطان وموضعه ونوعه, كذلك يختلف باختلاف الحالة العامة للمريض وقدرة التحمل والسعة التنفسية لديه وقدرته على تحمل الاستئصال الرئوي. لذلك كثيراً ما يتم أخذ القرار بشكل جماعي من عدة أطباء مجتمعين, وهذه الأنواع هي:
استئصال الفص الرئوي
في الجسم البشري السليم، تحتوي الرئة اليمنى على ثلاثة فصوص ( الفص الأعلى والمتوسط والسفلي)، بينما تحتوي الرئة اليسرى على فصّين (الأعلى والسفلي).
يُعد استئصال الفص الرئوي المصاب بالسرطان الطريقة الأكثر شيوعاً لعلاج سرطان الرئة.
- استئصال فصين: تجرى فقط في الرئة اليمنى إذا كان الورم يشمل غازياً للفص المجاور (مثل استئصال الفصين العلوي والأوسط معاً أو استئصال الأوسط والسفلي).
- استئصال فص مع استئصال كمّي: تُجرى عندما يغزو الورم القصبة الهوائية الموصولة مع الفص الآخر، حيث يُزال الفص المصاب وجزء من القصبة الهوائية الرئيسية ثم يُعاد توصيل القصبة المتبقية بالفصوص غير المصابة.
استئصال القطع
كل فص رئوي يتكون من 2 إلى 5 قطع. عندما يكون حجم السرطان صغيراً أقل من 2 سم أو كان الوضع العام للمريض سيئاً عندها قد يقوم الطبيب الجراح باستئصال قطعة واحدة أو عدة قطع من الفص المصاب مع الحفاظ على الأنسجة السليمة.
الهدف من هذه العملية هو استئصال أقل كمية من الرئة السليمة بطريقة متناسبة مع البنية التشريحية للرئة.
الاستئصال الإسفيني
هو إزالة جزء صغير من أنسجة الرئة التي تحتوي على السرطان على شكل إسفين أي بطريقة غير متناسبة مع البنية التشريحية لذلك تعتبر من أسهل طرق الاستئصال ولكنها الأقل نجاحاً.
تُستخدم عندما تكون حالة المريض سيئة أو كان حجم السرطان جداً صغير أو غير مُشخص.
استئصال الرئة الكامل
هو إزالة الرئة كاملةً عندما يكون الورم في موقع مركزي ولا يمكن استئصال الورم بالكامل عبر استئصال فص وحده. أي عندم يكون مرحلة سرطان الرئة متقدمة نسبياً, وتعد من أشد العمليات خطورة.
متى يتم اجراء جراحة سرطان الرئة؟
يُعد الاستئصال الجراحي للأنسجة السرطانية العلاج الأكثر فاعلية في المراحل المبكرة من سرطان الرئة إذ تتجاوز نسبة النجاح في بعض المراحل ال90 بالمئة.
ويُعتبر تأهّل المريض للجراحة فرصة ثمينة لأنه للأسف معظم المرضى لا يكونون مناسبين للجراحة لأنهم قد تم تشخيصهم بوقت متأخر.
ولا تُجرى جراحة سرطان الرئة إلا إذا تم اكتشاف السرطان في مراحله المبكرة.
لا تُجرى جراحة سرطان الرئة إلا إذا تحققت بعض الشروط التالية:
- عدم انتشار السرطان إلى أعضاء أخرى: يُحدّد ذلك عبر التصاوير وخاصة تصوير PET-CT للجسم, وتصوير الرنين للدماغ, في بعض الأحيان المحدودة جداً يتم اجراء استئصال سرطان الرئة حتى عند وجود نقيلة إلى مكان آخر من الجسم.
- إمكانية استئصال الورم كاملاً: إذا غزى الورم أنسجة مجاورة مهمة (مثل العمود الفقري، أوعية دموية كبيرة، الأبهر، أو المريء، أو القلب) بحيث يصعب استئصاله كاملاً، فلا تُجرى عندها الجراحة إلا في حالات نادرة جداً.
- وظائف القلب والرئة جيدة: يتم اجراء اختبارات تنفّسية وفحوص قلبية للتأكد من قدرة المريض على تحمّل استئصال جزء من الرئة.
التحضير قبل عملية استئصال سرطان الرئة
قبل الجراحة، يجب إجراء بعض الفحوصات لتقييم الحالة الصحية العامة ووظائف الرئة.
قد تشمل هذه الفحوصات ما يلي:
- تخطيط كهربية القلب (ECG): للتأكد من عدم وجود أمراض قلبية مرافقة.
- اختبار وظائف الرئة (قياس التنفس – Spirometry): لحساب مدى تأثر المريض عند استئصال جزء من الرئة.
- اختبار مجهود: لتقييم قدرة الجسم على تحمّل الجهد البدني قبل الجراحة.
كما أنه يجب على المريض ترك التدخين إن كان مدخناً بأسرع وقت ممكن, لأنه كلماً توقف بشكل أبكر عن التدخين كانت المضاعفات بعد العملية أقل بشكل واضح.
ويفضل البدء بالعلاج الفيزيائي والتأهيل الرئوي في حال كانت العملية سيُتأخر اجراؤها.
المتابعة بعد عملية جراحة سرطان الرئة
في أول يوم يتم تخريج المريض إلى العناية المشدد لمتابعة الحالة العامة له عن قرب, وفي حال عدم حدوث أية مضاعفات يتم في صباح اليوم التالي نقل المريض إلى الجناح.
من المهم جداً أن يكون هنالك شخص مرافق للمريض غير مدخل ذو صحة جيدة لمساعدته على الحركة وإجراء التمارين والعلاجات الفيزيائية لتقليل نسبة المضاعفات بعد العملية.
لا يفضل أن يكون الزيارات الكثيرة للمريض في أول الأيام لكي لاينتقل عدوى ذات الرئة إلى المريض.
في نهاية الجراحة، يُوضع أنبوب صدر (مفجر صدر) داخل تجويف القفص الصدري لتصريف الهواء والسوائل (الدماء) من جانب الرئة.
يُزال هذا الأنبوب عند توقف تسرب الهواء وانخفاض كمية السائل اليومي إلى أقل من 250 مل.
إزالة المفجر غير مؤلمة، وتحدث عادةً بين اليوم الأول والرابع بعد العملية. في بعض الحالات قد يبقى الأنبوب لعدة أيام إضافية إذا استمر تسرب الهواء. وعند إزالة المفجر يعني أن المريض أصبح جاهزاً للذهاب إلى المنزل على الأغلب
كم هي مدة جراحة سرطان الرئة
تعتمد مدة العملية بشكل كبير على خبرة الفريق الجراحي والتخديري. بعض الأورام تكون كبيرة أو في أماكن صعبة، أو تكون لدى المريض أمراض رئوية سابقة تؤدي إلى التصاق النسيج الرئوي بالأنسجة المجاورة (مثل الدرن أو ذات الرئة أو التهاب الجنبة)، مما قد يُطيل زمن العملية.
كما أن الجراحة المفتوحة تستغرق وقتاً أطول لفتح وغلق القفص الصدري مقارنة بالجراحة طفيفة التوغّل.
يشمل وقت العملية أيضاً فترة التحضير للتخدير، والتي تستغرق عادةً من 30 إلى 45 دقيقة.
يبلغ متوسط زمن جراحات استئصال سرطان الرئة المفتوحة نحو 90 دقيقة، بينما تستغرق الجراحات طفيفة التوغّل حوالي 60 دقيقة. أي أن إجمالي الوقت من التحضير للتخدير حتى استيقاظ المريض يتراوح بين ساعتين وساعتين ونصف تقريباً.
أنبوب الصدر (مفجر الصدر)
في نهاية الجراحة، يُوضع أنبوب صدر (درنقة) في القفص الصدري لتصريف الهواء والسوائل. يُزال هذا الأنبوب عند توقف تسرب الهواء وانخفاض كمية السائل اليومي إلى أقل من 250 مل. إزالة الدرَنقة غير مؤلمة، وتحدث عادةً بين اليوم الأول والرابع بعد العملية. في بعض الحالات قد يبقى الأنبوب لعدة أيام إضافية إذا استمر تسرب الهواء.
مخاطر جراحة سرطان الرئة
انخفضت مخاطر هذه العمليات كثيراً خلال السنوات الأخيرة بسبب تطور الجراحة التنظيرية والجراحة الروبوتية، لكنها لا تزال موجودة مثل أي جراحة كبرى. المفتاح هو تحديد هذه المخاطر مسبقاً واتخاذ الاحتياطات اللازمة.
على سبيل المثال، المرضى الذين يعانون من ضعف في وظيفة الرئة أو أمراض قلبية شديدة يُصنفون بأنهم عالي الخطورة وقد يُستبعدون من الجراحة أحياناً.
تختلف نسبة حدوث المضاعفات من مريض لآخر ونوع الجراحة وطريقة الاستئصال وهي في تناقص مع استخدام الجراحة التنظيرية وزيادة الخبرة
وتحدث المضاعفات لدى نحو 27% من المرضى4، وتشمل:
- النزف أثناء الجراحة (من الممكن أن يحدث في جميع أنواع العمليات ولكن يكثر عندما يتم استئصال الرئة بشكل كامل)
- استمرار تسريب الهواء من الرئة لمدة تتجاوز الأسبوع (احتمال حصوله 17% وليس من الأمور الخطيرة)
- العدوى بعد العملية (سواء التهاب الرئة أو التهاب الجرح)
- اضطراب نظم القلب
- فشل تنفسي (يحصل عندما لا يتم حساب حجم الرئة الذي سيتبقى بعد العملية بشكل كافي أو عند استمرار المريض بالتدخين)
- انسداد شرياني دماغي أو قلبي (جلطة أو صمّة) (تحدث بسبب التعرض لصدمة العملية ويتم أخذ التدبير اللازم لها عبر اعطاء مميعات للمريض قبل وبعد العملية)
- الحاجة إلى إقامة مطوّلة في العناية المركزة
- تسرّب الكيلوس (Chylothorax) أي تسرب السائل اللمفاوي إلى الصدر (يحدث عندما يتم قطع الأوردة اللمفية بشكل خاطئ)
- تدلّي الجفن: تحدث بسبب اصابة الأعصاب الودية وفي الكتل الملتصقة بجدار الصدر
- بحة الصوت: تحدث بسبب اصابة العصب الراجع من العمل الجراحي.
- استمرار تصريف السوائل لفترة طويلة
- الألم: يقل مع الجراحة التنظيرية والأدوية المناسبة.
- اضطرابات نفسية (هذيان, اكتئاب)
- مضاعفات آخرى نادرة
احتمال الوفاة في جراحات سرطان الرئة
إن احتمال الوفاة أثناء العملية يعتبر قليل جداً جداً ومن النقاط المهمة أيضاً معرفة أن معدل الوفاة يتم حسابها أثناء الجراحة أو بعدها خلال 30 يوماً من إجرائها.
بسبب التحول من الجراحة المفتوحة إلى الجراحة التنظيرية مؤخراً انخفضت نسبت المضاعفات واحتمال الوفاة بعد العملية بشكل كبير جداً, ففي عمليات استئصال الفص الرئوي، يتراوح معدل الوفيات خلال 30 يوماً بين 0.6% و1.3%، ويعتمد ذلك على طبعاً على جودة التجهيزات الطبية وخبرة الطبيب الجراح ووجود أمراض مرافقة مثل أمراض القلب أو السكري أو ارتفاع الضغط6.
أما في عمليات استئصال الرئة الكامل، فقد يصل معدل الوفيات خلال 30 يوماً نحو إلى عشرة بالمئة. لذلك، عند التخطيط لاستئصال رئة كاملة، يجب تقييم وظائف القلب والرئة بدقة أكبر مقارنةً بعمليات استئصال الفص العادية7.
بإمكانك قراءة مقالة أسباب وفاة مريض سرطان الرئة
المصادر
1- Noy J, Chang A, Chow NP, De Jesus Fernandez J, Dureja R, Cotamo LM, Alnajar A, Nguyen DM, Villamizar N. Outcomes of Resectable Locally Advanced Non-Small Cell Lung Cancer After Neoadjuvant Chemoimmunotherapy: A Single Institution Experience. Journal of Clinical Medicine. 2025; 14(3):988. https://doi.org/10.3390/jcm14030988
2- Ashley L. Deeb, Luis De Leon, Emanuele Mazzola, Suden Kucukak, Anupama Singh, Miles McAllister, Matthew Garrity, Michael T. Jaklitsch, Jon O. Wee, Matthew M. Rochefort, Early adoption of robotic lung resection in an established video assisted thoracic surgery practice,
Surgery Open Science,Volume 20,2024,Pages 189-193,ISSN 2589-8450,
https://doi.org/10.1016/j.sopen.2024.07.004.
3- Gopaldas RR, Bakaeen FG, Dao TK, Walsh GL, Swisher SG, Chu D. Video-assisted thoracoscopic versus open thoracotomy lobectomy in a cohort of 13,619 patients. Ann Thorac Surg. 2010;89(5):1563-1570. doi:10.1016/j.athoracsur.2010.02.026
4- Jing Sun, Shuzhao Ji, Bo Li,Incidence and Risk Factor Analysis of Postoperative Complications After Lung Cancer Surgery Based on CT Follow-up,
Current Problems in Surgery,2025,101887,ISSN 0011-3840,https://doi.org/10.1016/j.cpsurg.2025.101887.
5- Shinohara S, Kobayashi K, Kasahara C, et al. Long-term impact of complications after lung resections in non-small cell lung cancer. J Thorac Dis. 2019;11(5):2024-2033. doi:10.21037/jtd.2019.04.91
5- Sandri A, Papagiannopoulos K, Milton R, et al. Major morbidity after video-assisted thoracic surgery lung resections: a comparison between the European Society of Thoracic Surgeons definition and the Thoracic Morbidity and Mortality system. J Thorac Dis. 2015;7(7):1174-1180. doi:10.3978/j.issn.2072-1439.2015.06.07
6- Time-varying analysis of readmission and mortality during the first year after pneumonectomyJones, Gregory D. et al.The Journal of Thoracic and Cardiovascular Surgery, Volume 160, Issue 1, 247 – 255.e5 doi: 10.1016/j.jtcvs.2020.02.086