يُعدّ العلاج الهرموني لسرطان البروستاتا أحد الركائز الأساسية في السيطرة على هذا المرض الذي يعتمد في نموه على الهرمونات الذكرية، وخصوصاً التستوستيرون. يهدف هذا النوع من العلاج إلى خفض مستويات الأندروجينات أو تثبيط تأثيرها على الخلايا السرطانية مما يؤدي إلى إبطاء نمو الورم والحدّ من انتشاره.
يُستخدم العلاج الهرموني في المراحل المتقدمة من المرض، أو بالتكامل مع الجراحة والعلاج الإشعاعي لتحقيق أفضل النتائج العلاجية. ومع تطوّر الأدوية الحديثة، أصبح بالإمكان تحسين جودة الحياة وإطالة فترة البقاء للمصابين بشكل ملحوظ.
ما هو الأساس العلمي للعلاج الهرموني لسرطان البروستاتا؟
تنمو خلايا البروستاتا تحت تأثير الأندروجينات، وأهمها:
- التستوستيرون
- الديهيدروتستوستيرون
تنتج الخصيتين غالبية التستوستيرون في الجسم بنسبة تقارب 90–95٪، بينما تنتج الغدة الكظرية النسبة الباقية. يقوم التستوستيرون بالارتباط بمستقبلات الأندروجين داخل الخلايا فيفعل سلسلة من التغيرات الجينية التي تُحفّز الانقسام الخلوي والنمو. إن خفض مستوى الأندروجينات في الدم أو منع ارتباطها بالمستقبلات يُعدّ خطوة أساسية في السيطرة على تقدم المرض، خاصة في المراحل المنتشرة أو غير القابلة للعلاج الجراحي أو الإشعاعي.
أهداف العلاج الهرموني لسرطان البروستاتا
يُستخدم العلاج الهرموني في سياقات متعددة من تدبير سرطان البروستاتا، منها:
- العلاج البدئي في الحالات المنتشرة
- العلاج المتقطع لتقليل الآثار الجانبية مع الحفاظ على السيطرة على المرض
- العلاج التلطيفي لتخفيف الأعراض الناتجة عن الانتشار العظمي أو انسداد السبيل البولي
- العلاج المساعد قبل أو بعد الجراحة أو العلاج الإشعاعي لتقليل حجم الورم أو منع النكس
التكامل مع العلاجات الأخرى
غالباً ما يتم دمج العلاج الهرموني مع:
- العلاج الكيميائي في المراحل المنتشرة
- العلاج الإشعاعي في المراحل المتقدمة
- العلاج المناعي أو الموجّه في الحالات المقاومة
وقد أظهرت الدراسات أن الدمج بين أكثر من نمط علاجي يحقق تحسناً ملحوظاً في البقاء الكلي ونوعية الحياة مقارنة باستخدام العلاج الهرموني وحده.
أنواع العلاج الهرموني لسرطان البروستاتا
يشمل العلاج الهرموني لسرطان البروستاتا عدة أنواع، وهي:
العلاج الجراحي (الإخصاء الجراحي)
هو أقدم أشكال العلاج الهرموني ويقوم على استئصال الخصيتين أو البنية المفرزة للأندروجين منها، مما يؤدي إلى انخفاض سريع ودائم في مستويات التستوستيرون (أقل من 50 نانوغرام/دل).
- المزايا:
- تكلفة منخفضة
- لا يحتاج إلى علاج دوائي مستمر
- تأثير فوري ودائم على مستويات الهرمون
- العيوب:
- أثر نفسي كبير نتيجة فقدان الخصيتين
- آثار جانبية مماثلة للعلاجات الدوائية طويلة الأمد مثل الهبّات الساخنة والعنانة وهشاشة العظام

العلاج الدوائي بخافضات الهرمون المطلق للغونادوتروبين
تشمل هذه الفئة أدوية مثل:
- Leuprolide
- Goserelin
- Triptorelin
تعمل هذه الأدوية على تحفيز إفراز الهرمون اللوتيني (LH) من الغدة النخامية، مما يؤدي إلى ارتفاع مستوى التستوستيرون بما يسمى بظاهرة flare. ثمّ مع الاستخدام المستمر، يحدث تثبيط عكسي لمستقبلات LHRH في الغدة النخامية، مما يقلل إفراز LH وFSH ويؤدي إلى انخفاض مستمر في إنتاج التستوستيرون من الخصيتين. العيب الأساسي لهذا النوع من العلاج هو حدوث ارتفاع مؤقت في التستوستيرون خلال الأسابيع الأولى مما قد يُفاقم الأعراض مثل آلام العظام أو احتباس البول.
مضادات مستقبلات LHRH
تعمل هذه الأدوية عبر تثبيط مباشر لمستقبلات LHRH في الغدة النخامية دون تحفيز أولي، ما يمنع حدوث ظاهرة flare ويُحدث انخفاض سريع في التستوستيرون. تشمل الميزات:
- بدء مفعول أسرع مقارنة بالمحفزات
- أكثر أماناً للمرضى المعرضين لخطر المضاعفات الناتجة عن زيادة التستوستيرون المؤقتة
نذكر منها:
- Relugolix
- Degarelix
مضادات الأندروجين
تُستخدم لتثبيط تأثير الأندروجين على مستوى المستقبلات داخل خلايا البروستاتا. تنقسم إلى:
- الجيل الأول: تعمل على منع ارتباط التستوستيرون وDHT بمستقبلات الأندروجين، لكنها قد تُظهر نشاط جزئي في بعض الحالات مما يحدّ من فعاليتها في المراحل المتقدمة. وتشمل:
- Flutamide
- Bicalutamide
- Nilutamide
- الجيل الثاني (الأكثر تطوراً): تتميز بقدرتها العالية على منع تنشيط مستقبل الأندروجين حتى في حال الطفرات، وتُستخدم خصوصاً في السرطان المقاوم للإخصاء. وتشمل:
- Enzalutamide
- Apalutamide
- Darolutamide
مثبطات إنتاج الأندروجين الكظري
مثل Abiraterone acetate الذي يعمل على تثبيط إنزيم CYP17A1 المسؤول عن تخليق الأندروجينات في الغدة الكظرية والأنسجة الورمية. يُعطى مع الستيرويدات القشرية لتجنب فرط القشرانيات المعدنية الناتج عن تثبيط المسار الهرموني.
أنماط تطبيق العلاج الهرموني لسرطان البروستاتا
يتم تطبيق العلاج الهرموني بعدة أنماط وذلك بناءً على حالة المريض ورأي الطبيب، تشمل الأنماط:
- العلاج المستمر:
- يُعطى الدواء بشكل دائم للحفاظ على مستويات منخفضة من التستوستيرون
- العلاج المتقطع:
- يُوقف العلاج لفترات محددة عند تحقيق السيطرة على المرض، ثم يُعاد عند ارتفاع مؤشرات النشاط الورمي (مثل مستضد البروستاتا النوعي PSA). يُستخدم هذا النمط لتقليل التأثيرات الجانبية وتحسين نوعية الحياة دون التأثير الكبير على السيطرة طويلة الأمد
التأثيرات الجانبية للعلاج الهرموني
على الرغم من فعالية العلاج الهرموني لسرطان البروستاتا، يرتبط بعدد من التأثيرات الناتجة عن نقص الأندروجينات، وتشمل:
- تأثيرات عامة:
- زيادة الدهون وتغير توزعها
- اضطرابات المزاج والاكتئاب
- الهبّات الساخنة والتعرق الليلي
- التعب العام ونقص الكتلة العضلية
- تأثيرات على الجهاز الهيكلي:
- هشاشة العظام وزيادة خطر الكسور
- ضعف الكتلة العظمية مع الاستخدام طويل الأمد
- تأثيرات استقلابية وقلبية وعائية:
- مقاومة الإنسولين وارتفاع سكر الدم
- ارتفاع الكوليسترول والدهون الثلاثية
- ارتفاع خطر الأمراض القلبية الوعائية
- تأثيرات على الوظيفة الجنسية:
- فقدان الرغبة الجنسية
- ضعف الانتصاب والعقم المؤقت أو الدائم
المقاومة للعلاج الهرموني
قد يُظهر الورم مع مرور الوقت مقاومة للعلاج رغم انخفاض التستوستيرون، ويُعرف ذلك بالسرطان المقاوم للإخصاء وتنشأ المقاومة نتيجة:
- طفرات في مستقبل الأندروجين
- تنشيط مسارات جزيئية بديلة للنمو والانقسام
- إنتاج الأندروجينات داخل الخلايا السرطانية نفسها
يتم اللجوء في هذه المرحلة إلى الأجيال الحديثة من مضادات الأندروجين أو مثبطات تصنيع الأندروجين، أو العلاج الكيميائي في بعض الحالات.
مراقبة ومتابعة العلاج الهرموني لسرطان البروستاتا
تتطلب فعالية العلاج الهرموني لسرطان البروستاتا مراقبة دقيقة عبر:
- التصوير الشعاعي عند الاشتباه بانتشار أو مقاومة
- متابعة الكثافة العظمية ومستويات الشحوم وسكر الدم
- قياس مستضد البروستاتا النوعي PSA بشكل دوري (كل 3–6 أشهر)
- تقييم التستوستيرون المصلي للتأكد من الوصول إلى مستوى الإخصاء (< 50 نغ/دل)
يُظهر العلاج الهرموني لسرطان البروستاتا فعالية كبيرة في السيطرة على تطور المرض، خاصةً في الحالات المنتشرة أو غير القابلة للعلاج الجراحي. ورغم أن العلاج لا يحقق شفاء تام في جميع الحالات، إلا أنه يسهم في تخفيف الأعراض وتحسين نوعية الحياة. إن التطورات الحديثة في مضادات الأندروجين ومثبطات تصنيع الهرمونات منحت الأطباء خيارات علاجية أكثر دقة وفاعلية. تبقى المتابعة المنتظمة ودمج العلاج الهرموني مع الأساليب الأخرى أساساً لتحقيق نتائج علاجية طويلة الأمد.
المصادر:
- Cancer Research UK. (2024). Hormone therapy for prostate cancer. Retrieved October 26, 2025
- American Cancer Society. (2024). Hormone therapy for prostate cancer. Retrieved October 26, 2025
- Attard, G., Murphy, L., Clarke, N. W., Cross, W., Jones, R. J., Parker, C. C., & de Bono, J. S. (2021). Abiraterone acetate and prednisolone with or without enzalutamide for high-risk non-metastatic prostate cancer: A meta-analysis of two randomized trials. The Lancet, 399(10323), 447–460.
