تُعَدّ أمراض الصمام الأبهري من أبرز مشكلات القلب التي قد تؤثر في تدفق الدم وصحة المريض على المدى الطويل، ومع تطور الطب ظهرت تقنيات جراحية حديثة ساعدت على علاج هذه المشكلات بطرق أكثر أماناً وأسرع شفاءً، من بينها عملية تبديل الصمام الأبهري طفيفة التوغل التي أثبتت فعاليتها كخيار بديل للجراحة التقليدية المفتوحة.

لمحة عن الصمام الأبهري
الصمام الأبهري (أو الأورطي) هو أحد الصمامات الأربعة الرئيسية في القلب، ويتألف بشكل طبيعي من ثلاث وريقات رقيقة. تتمثل وظيفته في تنظيم مرور الدم من البطين الأيسر إلى الشريان الأبهر، الذي يقوم بدوره بنقل الدم المحمّل بالأكسجين إلى مختلف أنحاء الجسم. يفتح الصمام عند انقباض القلب ليسمح بمرور الدم، ثم يُغلق بإحكام ليمنع رجوعه بالاتجاه المعاكس.
قد يتعرض الصمام الأبهري لمشكلات مرضية تؤثر على وظيفته، مثل تضيّق الصمام الأبهري عندما تصبح الوريقات متصلبة أو متكلسة فلا تُفتح بشكل كافٍ، أو قصور الصمام الأبهري عندما يفشل في الانغلاق الكامل، مما يؤدي إلى تسرب الدم وعودته إلى البطين الأيسر. هذه الاضطرابات تسبب زيادة في الجهد المبذول على القلب، ومع الوقت قد تتطور إلى قصور قلبي في حال لم تُعالج.
يُعتبر تضيّق الصمام التنكسي الناتج عن التليف والتكلس التدريجي أكثر أشكال المرض شيوعاً عند المتقدمين في العمر، بينما يُشاهد عند الشباب أحياناً الصمام الأبهري ثنائي الوريقات، وهو تشوّه خلقي يزيد من احتمال حدوث التضيّق أو القصور في عمر أبكر.
ما هي عملية تبديل الصمام الأبهري طفيفة التوغل؟
إن عملية تبديل الصمام الأبهري طفيفة التوغل minimally invasive aortic valve replacement (MIAVR) هي عبارة عن جراحة تهدف إلى استبدال الصمام الأبهري المصاب بصمام صناعي أو حيوي جديد دون الحاجة إلى إجراء جراحة قلب مفتوح، ويطلق عليها “طفيفة التوغل” لأنها تتطلب شق جراحي أصغر بكثير من الشق الجراحي في عملية تبديل الصمام الأبهري بالجراحة المفتوحة، مما يقلل من الأذى النسيجي ويسرّع عملية الشفاء.
تُظهر الدراسات أنّ هذا الإجراء يتمتع بمعدلات نجاح عالية، إذ وصلت نسبة البقاء بعد عام من الجراحة إلى نحو 98%، وبعد ثلاث سنوات إلى قرابة 94%، مما يجعله خياراً فعّالاً وآمناً لعلاج أمراض الصمام الأبهري وتحسين جودة حياة المرضى.
فوائد عملية تبديل الصمام الأبهري طفيفة التوغل
تطورت تقنيات استبدال الصمام الأبهري باستخدام الجراحة طفيفة التوغل بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة، وأصبحت خياراً مفضلاً على الجراحة المفتوحة عند كثير من المرضى نظراً لما تقدمه من مزايا مهمة، أبرزها:
- شق جراحي أصغر وندبة أقل وضوحاً بعد العملية
- نزف أقل خلال وبعد الجراحة
- انخفاض خطر الإصابة بالإنتان
- ألم أخف بعد العملية
- فترة بقاء أقصر في المستشفى (عادةً بين 3 إلى 4 أيام)
- تعافٍ أسرع والعودة إلى الأنشطة اليومية بوقت أقصر
التحضير لإجراء عملية تبديل الصمام الأبهري طفيفة التوغل
قبل الخضوع إلى عملية تبديل الصمام الأبهري طفيفة التوغل، يوصي الأطباء بمجموعة من التعليمات التي تساعد على تقليل المخاطر وضمان أفضل نتيجة ممكنة من الجراحة، وتشمل:
- اتباع نمط حياة صحي: الاعتماد على غذاء متوازن والتوقف عن التدخين قبل أسابيع من العملية لتهيئة الجسم والرئتين للتخدير.
- مراجعة الأدوية: إبلاغ الطبيب بجميع الأدوية التي يتناولها المريض، خصوصاً مميعات الدم التي قد تزيد خطر النزف أثناء الجراحة.
- التحضير قبل العملية: التوقف عن تناول الطعام والشراب ابتداءً من منتصف الليلة السابقة للجراحة لتقليل خطر الإقياء أو الاختلاطات التنفسية.
- إجراء الفحوص الطبية: قد يُطلب من المريض بعض الفحوص الروتينية مثل تحاليل الدم، صورة الصدر، وتخطيط القلب الكهربائي للتأكد من الجاهزية للعملية.
كيفية إجراء عملية تبديل الصمام الأبهر طفيفة التوغل في تركيا
يبدأ الإجراء بوضع المريض تحت التخدير العام ليبقى نائماً طوال فترة العملية دون أي شعور بالألم، بعد ذلك يقوم الجراح بإجراء شق جراحي صغير في عظم القص أو بين الأضلاع بحسب التقنية المستخدمة. يتم وصل المريض بجهاز المجازة القلبية الرئوية الذي يتولى مؤقتاً مهمة ضخ الدم وتزويده بالأكسجين ريثما يتوقف القلب بشكل آمن أثناء العملية.
يقوم الجراح بإزالة وريقات الصمام الأبهري المتضرر بعناية تمهيداً لوضع الصمام الجديد، ثم يُثبت مكانه صمام جديد صناعي أو بيولوجي باستخدام خيوط دقيقة تضمن ثباته ومنع أي تسرب دموي. بعد التأكد من عمل الصمام البديل بكفاءة، يُعاد تشغيل القلب تدريجياً ويُفصل المريض عن جهاز المجازة القلبية الرئوية. أخيراً تُغلق الشقوق الجراحية الصغيرة، مما يقلل من الأذى النسيجي ويترك ندبة أقل وضوحاً مقارنة بالجراحة المفتوحة.
تستغرق عملية تبديل الصمام الأبهري طفيفة التوغل عادة ما بين ساعتين إلى ثلاث ساعات بحسب التقنية وظروف المريض، ويقوم الجراح بعد الانتهاء بشرح تفاصيل الإجراء ونتائجه لعائلة المريض.
الفرق بين الجراحة المفتوحة والجراحة طفيفة التوغل
تتطلب الجراحة التقليدية لتبديل الصمام الأبهري شقاً كبيراً في عظم القص بطول يصل إلى 20 سم، مع فترة نقاهة طويلة وألم أكبر بعد العملية. في المقابل، تعتمد عملية تبديل الصمام الأبهري طفيفة التوغل على شقوق صغيرة لا تتجاوز عدة سنتيمترات، مما يخفف من النزف، يقلل خطر الإنتان، ويسرّع التعافي. هذا الاختلاف الجوهري في طريقة الوصول إلى القلب يفتح المجال لخيارات متعددة لتنفيذ العملية بما يتناسب مع حالة كل مريض
الخيارات المتاحة لإجراء عملية تبديل الصمام الأبهري طفيفة التوغل في تركيا
مع التطور الطبي أصبحت هناك عدة تقنيات لتنفيذ العملية، يختار الجراح الأنسب منها وفقاً لحالة المريض وتشريح الصدر ونوع الصمام المراد استخدامه. من أبرز هذه الخيارات:
الشق الجزئي في عظم القص
يُجرى شق صغير يتراوح بين 5 إلى 8 سم في الجزء العلوي من عظم القص، ومن خلاله يتم الوصول إلى القلب مباشرة وإجراء استبدال الصمام. هذه الطريقة تشبه الجراحة التقليدية لكن بجرح أصغر وألم أقل.
الشق بين الأضلاع (تقنية ثقب المفتاح)
يتم فتح شق صغير بين الضلعين الثاني والثالث في الجهة اليمنى من الصدر للوصول إلى القلب. غالباً ما يترافق هذا الإجراء مع شق صغير إضافي في منطقة المغبن لربط المريض بجهاز المجازة القلبية الرئوية.

استبدال الصمام الأبهري باستخدام الروبوت
تعتمد هذه التقنية على عدة شقوق صغيرة جداً يُدخل عبرها الجراح أذرعاً روبوتية دقيقة، ويقوم بالتحكم بها عن بعد من خلال جهاز خاص يُظهر صورة ثلاثية الأبعاد للقلب. تتيح هذه الطريقة دقة عالية في العمل مع جروح صغيرة وندبات محدودة.

استبدال الصمام الأبهري عبر القسطرة (TAVR)
تُعد هذه التقنية من أكثر الأساليب تطوراً، إذ يتم إدخال صمام بديل عن طريق قسطرة عبر شريان في الفخذ أو الصدر، ثم يُزرع فوق الصمام التالف دون الحاجة إلى إيقاف القلب أو فتح عظم القص. غالباً ما يُستخدم هذا الخيار للمرضى الذين يُشكّل لهم التدخل الجراحي التقليدي خطورة مرتفعة.
من هم المرشحون لإجراء عملية تبديل الصمام الأبهري طفيفة التوغل؟
لا تُعتبر عملية تبديل الصمام الأبهري طفيفة التوغل مناسبة لكل المرضى، بل يوصي بها الأطباء في حالات محددة، أبرزها:
- الإصابة بتضيّق الصمام الأبهري الشديد أو قصور الصمام الأبهري المتقدم عندما تسبب الأعراض ضيق تنفس، أو ألم صدر، أو إغماءات متكررة
- فشل العلاج الدوائي في السيطرة على الأعراض وتحسين عمل القلب
- المرضى الذين يتمتعون بتشريح صدري يسمح بالوصول إلى القلب عبر شق صغير دون الحاجة إلى فتح كامل لعظم القص
- المرضى الأصغر سناً أو متوسطي العمر الذين يرغبون في التعافي بسرعة والعودة المبكرة لنشاطاتهم
- بعض الحالات عالية الخطورة للجراحة المفتوحة، حيث يمكن أن يكون خيار TAVR بالقسطرة بديلاً أكثر أماناً
وتشير الدراسات إلى أنّ حوالي 85% إلى 90% من مرضى الصمام الأبهري يمكن أن يكونوا مرشحين لإجراء هذا النوع من العمليات، ويُحدد القرار النهائي دائماً من قبل فريق جراحة القلب بعد إجراء الفحوص اللازمة ومناقشة المريض بجميع الخيارات.
المخاطر التي يمكن أن تحدث أثناء عملية استبدال الصمام الأبهري طفيفة التوغل
مثل أي عملية جراحية كبرى، قد ترافق عملية تبديل الصمام الأبهري طفيفة التوغل بعض المخاطر والمضاعفات، تختلف شدتها بحسب عمر المريض وصحته العامة والأمراض المرافقة. ويمكن تقسيمها إلى:
مضاعفات عامة للجراحة
- النزف
- الإنتان
- مضاعفات التخدير
- ذات الرئة (التهاب رئوي بعد العملية)
مضاعفات خاصة بالقلب والأوعية
- عدم انتظام ضربات القلب
- نوبة قلبية
- جلطة دماغية (نشبة)
- أذية كلوية مؤقتة أو دائمة
- قصور في عمل الصمام البديل (نادر الحدوث)
ورغم هذه المخاطر، فإن معظم المرضى الذين يخضعون للجراحة يحققون نتائج جيدة مع تحسن ملحوظ في نوعية حياتهم، ويقوم الطبيب دائماً بمناقشة الفوائد والمخاطر مع المريض لاختيار الخيار العلاجي الأمثل.
عوامل تزيد من خطورة العملية
هناك بعض الحالات الصحية التي قد تجعل إجراء العملية أكثر خطورة أو ترفع احتمال حدوث المضاعفات، مثل:
- التقدم في العمر
- وجود أمراض مزمنة مثل السكري أو ارتفاع الضغط أو الفشل الكلوي
- الأمراض القلبية الأخرى مثل أمراض الشرايين التاجية
- الأمراض الرئوية والتدخين
- السمنة
- الإنتانات النشطة
الشفاء بعد عملية تبديل الصمام الأبهري طفيفة التوغل
بعد انتهاء الجراحة يُنقل المريض عادةً إلى وحدة العناية المركزة (ICU) لمدة 24 ساعة تقريباً، حيث تتم مراقبة العلامات الحيوية بشكل دقيق وضمان استقرار عمل القلب والصمام الجديد. بعد ذلك يُحوَّل المريض إلى غرفة عادية في المستشفى لعدة أيام حتى يستعيد نشاطه تدريجياً.
يُشجَّع المريض على الجلوس والقيام من السرير خلال يوم واحد من العملية، كما يُساعده الفريق الطبي على المشي لمسافات قصيرة بعد يومين تقريباً. تستغرق فترة النقاهة الكاملة عدة أسابيع، ويختلف ذلك بحسب التقنية المستخدمة وصحة المريض العامة.
خلال مرحلة التعافي قد يصف الطبيب بعض الأدوية مثل مسكنات الألم أو مضادات التخثر، ويُوصي المريض بالالتزام بتعليمات مهمة، أبرزها:
- تجنب قيادة السيارة أو حمل الأشياء الثقيلة لعدة أسابيع
- اتباع نظام غذائي صحي قليل الدهون والملح
- ممارسة التمارين الرياضية الخفيفة حسب توجيه الطبيب
- العناية بالجرح الجراحي والحفاظ على نظافته
- حضور المواعيد الدورية لمتابعة عمل الصمام الجديد
بالتقيد بهذه الإرشادات، يتمكن معظم المرضى من العودة إلى حياتهم الطبيعية خلال فترة قصيرة نسبياً، مع تحسن ملحوظ في القدرة على الحركة وجودة الحياة.
في الختام، تُعَدّ عملية تبديل الصمام الأبهري طفيفة التوغل خياراً علاجياً متطوراً يقدّم للمرضى فرصة للتعافي بشكل أسرع وبمخاطر أقل مقارنة بالجراحة التقليدية، ومع تزايد الخبرة الطبية واعتماد أحدث التقنيات في المراكز المتقدمة بتركيا، أصبح هذا الإجراء متاحاً لعدد متزايد من المرضى الذين يعانون من أمراض الصمام الأبهري. إن الالتزام بتعليمات الطبيب قبل وبعد العملية يساهم بشكل كبير في نجاحها وتحقيق أفضل النتائج، مما يمنح المريض حياة أكثر راحة ونشاطاً.
المصادر:
- Johns Hopkins Medicine. (n.d.). Aortic valve replacement: Minimally invasive.
- Bishop, M. A., Chhabra, L., Parekh, A., Bhyan, P., & Khalid, N. (2024, February 2). Minimally Invasive Aortic Valve Surgery.
- Northwestern Medicine. (n.d.). Minimally invasive aortic valve replacement.