يعدّ سرطان المريء الخبيث من الأورام التي تصيب القناة الواصلة بين الحلق والمعدة، ويعدّ من الأمراض الخطيرة التي تستدعي اهتماماً طبيّاً خاصّاً نظراً لتأثيره المباشر على عملية البلع والتغذية وجودة الحياة. تتنوع أنماط هذا السرطان بين نوعين رئيسيّين، ويختلف مساره تبعاً لعوامل متعدّدة تتعلّق بالمريض وطبيعة الورم وموقعه.
تكمن أهمية التوعية بهذا المرض في كونه غالباً لا يُكتشف إلا في مراحل متقدّمة بسبب غياب الأعراض المبكرة الواضحة، مما يجعل التشخيص المبكر والتدخّل العلاجي السريع عاملين حاسمين في تحسين فرص البقاء على قيد الحياة. كما يعدّ فهم طبيعة هذا السرطان خطوة أساسيّة نحو الوقاية منه والحدّ من مضاعفاته. تهدف هذه المقالة إلى تسليط الضوء على الجوانب المختلفة لسرطان المريء الخبيث من حيث أسبابه وأعراضه وطرق التشخيص والعلاج المتاحة.
ما هو المريء؟
المريء هو أنبوب عضلي طويل يمتد من الحلق إلى المعدة، ويُعدّ جزءاً أساسياً من الجهاز الهضمي، إذ يقوم بنقل الطعام والسوائل بعد بلعها من الفم إلى المعدة لبدء عملية الهضم. يبلغ طوله نحو 25 سنتيمتراً تقريباً، ويقع خلف القصبة الهوائية وأمام العمود الفقري. يتحكم المريء في حركة الطعام بواسطة تقلصات عضلية منتظمة تُعرف بالحركة الدودية. ويتكون جداره من طبقات عضلية وغشائية مبطّنة بغشاء مخاطي يحميه من التهيّج. كما يحتوي طرفاه على عضلتين عاصرتين تنظمان مرور الطعام وتمنعان ارتجاع محتويات المعدة نحو الأعلى.
ما هو سرطان المريء الخبيث؟
سرطان المريء الخبيث هو حالة تبدأ فيها خلايا غير طبيعية في بطانة المريء، الأنبوب العضلي الذي ينقل الطعام والسوائل من الحلق إلى المعدة، يمكن لهذه الخلايا أن تنمو بدون ضبط وتغزو الأنسجة المحيطة، بل تنتشر أحياناً إلى أجزاء أخرى من الجسم، مما يجعل التشخيص المبكر أمراً بالغ الأهمية، يوجد نوعان شائعان من هذا السرطان:
- سرطان الغدد (Adenocarcinoma): الذي يبدأ في خلايا الغدد في الجزء السفلي من المريء، ويرتبط غالباً بمرض ارتجاع الحمض ومرض باريت.
- سرطان الخلايا الحرشفية (Squamous Cell Carcinoma)، الذي ينشأ في خلايا بطانة المريء في المناطق العلوية أو الوسطى.
تتشابه النتائج طويلة الأمد في حالات الجراحة التقليدية والمناظير الدقيقة إذا أُجريت في مراكز طبية ذات خبرة عالية.

ما هي أسباب سرطان المريء؟
السبب الدقيق لورم المريء غير معروف، ولكن هناك العديد من العوامل المرتبطة بآلية حدوث المرض، تضم عوامل خطر الإصابة بسرطان المري ما يلي:
- كبار السن: يحدث سرطان المريء في كثير من الأحيان لدى الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 60 عاماً مقارنة بمن هم في عمر 60 عاماً أو أصغر.
- الجنس: الرجال أكثر عرضة للإصابة بالمرض ثلاث مرات ضعف نسبة النساء.
- العرق: يحدث سرطان المريء الحرشفي في كثير من الأحيان عند الأمريكيين الأفارقة، وينتشر السرطان الغدي في كثير من الأحيان في البيض الآسيويين.
- استخدام التبغ: ويشمل ذلك التدخين واستخدام التبغ من غير المُدخَّنين.
- تعاطي الكحول: يزيد الاستخدام المزمن و المفرط للكحول وشرب الخمر من خطر الإصابة بسرطان المريء.
- مريء باريت والارتجاع الحمضي المزمن: حيث يحدث تغير في بنية الخلايا في الطرف السفلي من المريء نتيجة ارتداد حمض المعدة المزمن إلى المريء.
- فيروس الورم الحليمي البشري (HPV): حيث ترتفع نسبة الإصابة بسرطان المرىء في بعض المناطق حول العالم(مثل آسيا وجنوب إفريقيا)، تعتبر الإصابة بهذا الفيروس خطراً متزايداً للإصابة بسرطان الخلايا الحرشفية (الصدفية).
- اضطرابات أخرى: تم ربط حالات أخرى بسرطان المريء وتضم هذه الحالة تعذر الارتخاء المريئي (وهو مرض غير شائع يسبب صعوبة في البلع)، ومتلازمة تيلوسيس (وهو اضطراب وراثي نادر يظهر فيه الجلد الزائد على راحتي اليدين وباطن القدمين).
- التعرض المهني لبعض المواد الكيميائية: يتعرض الأشخاص الذين يتعرضون لمذيبات التنظيف الجاف لفترات طويلة لخطر الإصابة بسرطان المريء.
- تاريخ الإصابة بالسرطان: الأشخاص الذين أصيبوا بسرطان العنق أو الرأس يكونون معرضون بنسبة أكبر للإصابة بسرطان المريء.
ما هي أعراض سرطان المريء؟
قد لا يكون لأورام المريء أعراض واضحة في المراحل المبكرة. يمكن أن تشتمل الأعراض الأخرى لسرطان المريء التي يجب عليك معرفتها ما يلي:
- يعد عسر البلع العرض الذي يلاحظه الناس أولاً، حيث مع ازدياد حجم الكتلة فإنها تضيق فتحة المريء مما يجعل البلع صعباً و مؤلماً
- ألم في الحلق أو الظهر أو خلف عظم القص أو بين لوحي الكتف
- القيء أو سعال الدم
- حرقة من المعدة
- بحة في الصوت أو سعال مزمن
- فقدان الوزن حيث يعتبر فقدان الوزن السريع من أهم علامات السرطان أولاً بسبب عدم القدرة على تناول الطعام وثانياً بسبب كتلة السرطان نفسها
كيف يتم تشخيص سرطان المريء في تركيا؟
بعد الفحص البدني، قد يطلب الطبيب بعض الاختبارات التي يمكن أن تساعد في تشخيص وتقييم سرطان المريء، من أهمها:
- التصوير باستخدام الباريوم: حيث يستخدم سلسلة محددة من الأشعة السينية لتصور المريء. حيث يشرب المريض سائلاً يحتوي على الباريوم، مما يجعل رؤية المريء أسهل في الأشعة السينية.
- تنظير المريء: هو إجراء يسمح للطبيب بالنظر إلى داخل المريء باستخدام أنبوب رفيع مضاء يسمى المنظار الداخلي. ب
- الخزعة: أثناء تنظير المريء، قد يأخذ الطبيب خزعة صغيرة من الأنسجة لفحصها تحت المجهر لمعرفة ما إذا كانت هناك أي خلايا سرطانية.
- الموجات فوق الصوتية: تستخدم بالمنظار المريئي الموجات الصوتية لإنشاء صور للهياكل الداخلية.
- التصوير المقطعي (CT): غالباً ما يستخدم لتقييم مدى انتشار السرطان في الصدر والبطن.
- تصوير الطبقي المحوري ذو الاصدار البوزيتروني PET /CT: حيث يستخدم أيضاً لمعرفة مدى انتشار السرطان.

كيف يتم تصنيف سرطان المريء؟
تصنيف سرطان المريء يعتمد على نوع الخلايا التي نشأ منها الورم ومرحلة المرض، بالإضافة إلى موقع الورم وحجمه ومدى انتشاره.
حسب نوع الخلايا
- سرطان الخلايا الحرشفية (Squamous Cell Carcinoma): يبدأ في الخلايا الحرشفية التي تبطن المريء، ويشيع في الجزء العلوي أو الأوسط من المريء.
- السرطان الغدي (Adenocarcinoma): يبدأ في الخلايا الغدية التي تنتج المخاط في الجزء السفلي من المريء، ويرتبط غالباً بمرض الارتجاع المعدي المريئي ومرض باريت.
حسب المرحلة (Staging)
- T (Tumor): حجم الورم ومدى انتشاره في جدار المريء.
- N (Nodes): انتشار السرطان إلى العقد اللمفاوية القريبة.
- M (Metastasis): وجود أو عدم وجود انتقال للسرطان إلى أجزاء أخرى من الجسم.
حسب الموقع
الجزء العلوي، الأوسط، أو السفلي من المريء، حيث يختلف العلاج والتشخيص بناءً على الموقع.
كيف علاج سرطان المريء في تركيا؟
علاج سرطان المريء يعتمد على عدة عوامل منها مرحلة المرض، نوع الورم، وصحة المريض العامة، حيث يتم اختيار الخطة العلاجية المناسبة بعد تقييم دقيق من فريق طبي متخصص لضمان أفضل النتائج الممكنة، ومن أهم الأساليب المستخدمة:
الجراحة (استئصال المريء)
يُعد استئصال المريء إجراءً جراحياً يهدف إلى إزالة جزء أو كامل المريء المصاب بالسرطان، ويُعاد بناء المجرى الهضمي باستخدام المعدة أو القولون. الجراحة قد تكون مفتوحة أو بالمنظار، ويُفضل اختيار النوع بناءً على حالة المريض ومرحلة المرض. تُستخدم الجراحة في المراحل المبكرة أو عندما يكون الورم قابلاً للإزالة، وهي تلعب دوراً هامًا في زيادة فرص الشفاء.
العلاج الكيميائي
يُستخدم العلاج الكيميائي لتدمير الخلايا السرطانية ويُعطى قبل الجراحة (لخفض حجم الورم) أو بعد الجراحة (للتخلص من خلايا متبقية). في بعض الحالات المتقدمة، يُستخدم العلاج الكيميائي لتخفيف الأعراض وتحسين جودة الحياة، ويُعتبر جزءاً رئيسياً من العلاج المتكامل للمرضى.
العلاج الإشعاعي
يتم توجيه إشعاع عالي الطاقة إلى الورم لقتل الخلايا السرطانية أو تقليص حجمها. يُستخدم العلاج الإشعاعي غالباً مع العلاج الكيميائي قبل الجراحة أو في الحالات التي لا تصلح فيها الجراحة. كما يساعد في السيطرة على الأعراض وتقليل الألم في المراحل المتقدمة.
العلاجات المستهدفة والمناعية
في بعض الحالات، قد تُستخدم أدوية تستهدف خصائص معينة للخلايا السرطانية أو تحفز الجهاز المناعي لمحاربة السرطان. هذه العلاجات الحديثة تُعتبر واعدة خاصة للمرضى الذين لا يستجيبون للعلاجات التقليدية أو لديهم أورام متقدمة.
الوقاية من سرطان المريء
تُعدّ الوقاية من سرطان المريء خطوة أساسيّة للحدّ من خطر الإصابة به، إذ تعتمد على تبنّي نمط حياة صحي وتقليل التعرّض للعوامل المسبّبة. يُنصح بالابتعاد عن التدخين وتجنّب تناول الكحول لما لهما من دور مباشر في زيادة احتمال حدوث تغيّرات خبيثة في خلايا المريء. كما يُفضّل الحفاظ على وزن صحي عبر نظام غذائي متوازن غنيّ بالخضروات والفواكه والألياف، مع التقليل من الأطعمة الدهنية والمقلية والمحتوية على مواد حافظة أو لحوم مصنّعة. كذلك يُستحسن تناول الطعام ببطء وتجنّب الأطعمة شديدة السخونة التي قد تؤذي بطانة المريء مع مرور الوقت.
من جانب آخر، يُعدّ الكشف المبكر عن الاضطرابات التي قد تؤدي إلى سرطان المريء، مثل الارتجاع المعدي المريئي المزمن، خطوة مهمّة في الوقاية. مراجعة الطبيب بشكل دوري، وإجراء الفحوص اللازمة عند ظهور أعراض مستمرة كعسر البلع أو الألم الصدري، يساعدان في اكتشاف أي تغيّرات مبكرة وعلاجها قبل أن تتطوّر إلى ورم خبيث.
ما هي التوقعات بالنسبة للأشخاص المصابين بسرطان المريء؟
تعتمد فرص الشفاء بشكل كبير على مرحلة اكتشاف السرطان والصحة العامة للمريض. إذا تم تشخيص سرطان المريء في مراحل مبكرة، فإن العلاج يكون ناجحًا في الغالب وفرص التعافي مرتفعة. ومع ذلك، يُكتشف المرض عادةً في مراحل متقدمة، مما يقلل فرص النجاح ويجعل العلاج أكثر صعوبة، وقد يؤدي إلى نتائج قاتلة في بعض الحالات إذا لم يُعالج بشكل مناسب.
مرحلة الشفاء بعد علاج سرطان المريء
مرحلة الشفاء بعد سرطان المريء تعتبر مرحلة حساسة تتطلّب متابعة دقيقة ودعماً مستمراً من الفريق الطبي والأسرة. بعد العلاج الجراحي أو الإشعاعي أو الكيميائي، يمر المريض بفترة تعافي تهدف إلى استعادة القدرة على البلع والتغذية بشكل طبيعي، بالإضافة إلى تعزيز القوة البدنية والصحة العامة. تتضمن هذه المرحلة تعديل نمط الحياة من خلال تناول وجبات صغيرة ومتكررة، والالتزام بنظام غذائي غني بالبروتينات والفيتامينات لتسريع الشفاء وتعويض فقدان الوزن والطاقة خلال العلاج.
كما يشمل الشفاء مراقبة أي علامات لعودة السرطان أو مضاعفات العلاج، مثل صعوبة البلع أو الالتهابات أو التعب المزمن. الدعم النفسي والاجتماعي يعدّ جزءاً أساسياً من التعافي، إذ يساعد المريض على التعامل مع القلق والاكتئاب المحتمل بعد المرور بتجربة السرطان. بالإضافة إلى ذلك، يُنصح بالاستمرار في الفحوص الدورية والمتابعة الطبية المنتظمة لضمان الحفاظ على صحة المريء والجسم بشكل عام.
تلعب الوقاية والكشف المبكر دوراً أساسياً في الحد من تأثير سرطان المريء الخبيث وتحسين فرص الشفاء. يشمل ذلك تبني نمط حياة صحي، مثل التغذية المتوازنة الغنية بالخضروات والفواكه، وتجنب التدخين والكحول، مع الحفاظ على وزن صحي. كما يُنصح بالمراجعة الطبية المنتظمة للكشف عن أي تغيّرات محتملة في المريء، خصوصًا لدى الأشخاص المعرضين لعوامل الخطر مثل الارتجاع المعدي المريئي المزمن. بعد العلاج، تكتسب مرحلة التعافي أهمية كبيرة، حيث يساهم الدعم النفسي والاجتماعي في تحسين الصحة العامة والجودة الحياتية، بينما تضمن المتابعة الطبية الدورية مراقبة أي علامات لعودة المرض أو حدوث مضاعفات.
المصادر:
- National Cancer Institute. (2018). Esophagectomy. In Cancer Treatment & Survivorship Facts & Figures 2018-2019 (pp. 1–2). American Cancer Society.
- National Library of Medicine. (2023, August 7). Esophageal cancer. MedlinePlus Medical Encyclopedia.