في ظلّ تزايد حالات استئصال الرحم عالميًا، تبرز تساؤلاتٌ حول الظروف التي تدفع المرأة نحو هذه الخطوة الجراحية المصيرية. أسباب استئصال الرحم تشكّل لوحةً معقدةً تتراوح بين الإنقاذ من خطر الموت وتحسين جودة الحياة اليومية. وراء كل إحصائية قصة امرأة تواجه خيارًا صعبًا بين الحفاظ على عضوٍ رمزيّ أو استعادة صحتها المسلوبة.
ما هو استئصال الرحم؟
عملية يتم فيها استئصال الرحم لعلاج أحد الأمراض المرتبطة به، وقد يشمل الاستئصال كذلك إزالة أحد الأعضاء المرتبط به، كإزالة المبيضين وقناتي فالوب (استئصال كلّي)، وتتنوع الطرق الجراحية للاستئصال، حيث يُمكن إجراؤها عن طريق الجراحة المفتوحة، أو باستخدام المنظار عبر شقوق صغيرة، أو عبر المهبل دون شقوق خارجية وقد تجرى عبر المهبل باستخدام الروبوت، وقد تؤدي هذه العملية إلى عدد من المضاعفات من مثل انقطاع الطمث والأعراض المرتبطة بانقطاعه، وعدم القدرة على الحمل والإنجاب بعد العملية، وإن المريضات اللواتي تعرضن لاستئصال الرحم يكنّ ذا عرضةٍ أكبر للإصابة بالتدهور المعرفي والخرف، وربما يكون ذلك بسبب الانخفاض المُفاجئ للهرمونات.

أبرز أسباب استئصال الرحم
إن أسباب استئصال الرحم متنوعة بشدة، حيث قد يكون استئصال الرحم لأسباب ورمية في الرحم أو النسج من حوله، أو قد يكون بسبب النزف الذي لا يستجيب للعلاج الدوائي أو العلاج بالكيّ، أو بسبب بعض الالتهابات المزمنة والتي تسبب تدهوراً كبيراً في صحة المريضة.
الأورام الليفية الرحمية (Fibroids)
تعد الأورام الليفية الرحمية أكثر أسباب استئصال الرحم شيوعاً، وخاصةً عندما تكون الأورام كبيرة وتسبب آلاماً حادة أو نزوفاً غزيرة، أو الأورام التي تضغط على المثانة والأمعاء، والتي تسبب خلل في عمل هذه الأعضاء.
نزيف الرحم غير المنتظم أو الغزير (Menorrhagia)
من أسباب استئصال الرحم الشائعة، حيث أن هناك بعض الحالات التي تُسبب نزوفاً غزيرة في الرحم، والتي لا تستجيب للعلاجات التقليدية بالأدوية أو الكي، وغالباً ما تكون أسبابها هرمونية، أو أوراماً حميدة، وتُحتّم على الطبيب أخذ القرار باستئصال الرحم.
سرطان الرحم أو عنق الرحم أو بطانة الرحم
يُعد استئصال الرحم أحد العلاجات الأساسية لعلاج السرطانات الخبيثة المرتبطة بالرحم، حيث يتم إزالة الرحم والأعضاء المرتبطة به للقضاء على الخلايا السرطانية والحد من انتشار النقائل.
بطانة الرحم المهاجرة (Endometriosis)
قد تُهاجر بعض خلايا الرحم وتنمو خارج نسيج الرحم والتي تسمى ببطانة الرحم الهاجرة، مما يسبب آلاماً مزمنة وشديدة، والتصاقات أو تلف في الأعضاء المجاورة، مما يفرض على المريضة ضرورة استئصال الرحم لعلاج هذه المشاكل.
هبوط الرحم (Uterine prolapse)
قد يهبط الرحم باتجاه المهبل بسبب ضعف أربطة وعضلات الحوض، مما يؤدي إلى الشعور بالثقل أو خروج جزء من نسيج الرحم من المهبل، إضافةً إلى سلس البول، والألم أثناء الجماع، ويُلجئ إلى استئصال الرحم لحل هذه المشكلات.
التهابات مزمنة أو خراجات شديدة
من أسباب استئصال الرحم النادرة، ولكنها إن وُجدت فإنها تُعد من الأمور الطارئة التي يجب التعامل معها، مثل خراجات الحوض أو التهاب بطانة الرحم، والتي إذا لم تُعالج بسرعة قد تؤدي إلى عدوى بكتيرية، والتي قد تنتشر إلى باقي الجسم مهددة الصحة العامة للمريضة.
الحالات التي يُوصى فيها بتأجيل الاستئصال
إن استئصال الرحم ليس دائماً إجراءً طبياً عاجلاً، فقد توجد بعض الحالات التي يكون فيها تأجيل استئصال الرحم أو تجنبه تماماً أفضل للمرأة، وذلك تبعاً لحالة المرأة وسوابقها المرضية ورغبتها في الإنجاب، ومن أبرز الحالات:
- رغبة المرأة في الإنجاب مستقبلاً
- الالتهابات الحادة أو الخراجات النشطة، بسبب أن الجراحة قد تنقل العدوى البكتيرية نحو الدم وبالتالي حدوث أمراض جهازية
- الأمراض المزمن غير المسيطر عليها، مثل أمراض القلب أو الرئة الشديدة، والارتفاع الحاد في ضغط الدم
- السرطانات في مرحلها المبكرة قد تكون قابلة للعلاج بطرق أخرى، ولذلك يتم تأجيل الاستئصال
- الحمل الحالي يمنع استئصال الرحم حتى انتهائه
هذه الحالات تمنع استئصال الرحم، وفي المقابل، توجد بعض الحالات التي تحتم الاستئصال، كأن يكون المرض مهدداً للحياة كما في حالات النزوف الحادة، أو أن يكون السرطان في مرحلة متقدمة وقابل للانتشار، وفي هذه الحالات يتم تجاهل أي سبب للتأجيل، ويتم استئصال الرحم كحالة اسعافية.
كيف يُشخّص الطبيب الحاجة للاستئصال؟
يقوم الطبيب بإجراء مجموعة من الفحوصات لتقييم حالة المريضة، وفيما إذا كان يُمكن تأجيل الاستئصال لسبب ما، وتشمل عملية التشخيص:
- التقييم الأولي: يبحث الطبيب في التاريخ الطبي والأعراض الظاهرة على المريضة، مثل وجود آلام أو نزيف مهبلي، أو سوابق التهابات سابقة، أو تاريخ عائلي لسرطانات الرحم والمبيض.
- الفحص السريري: يفحص الطبيب الحوض للكشف أي كتل غير طبيعية، أو الكشف عن تضخم الرحم.
- الفحوصات التصويرية: الفحص بالأمواج فوق الصوتية، أو باستخدام الرنين المغناطيسي، أو اللجوء إلى تنظير الرحم في بعض الحالات.
هذه الإجراءات تُساعد الطبيب على تقييم حالة المريضة، وأخذ القرار إما باستئصال الرحم أو بتأجيله أو بإلغائه تماماً، مع الأخذ في الاعتبار رغبة المريضة بالإنجاب مستقبلاً، ووجود علاجات بديلة قابلة للاستخدام.
هل استئصال الرحم دائمًا الحل الأفضل؟
في الواقع، إن استئصال الرحم ليس دائماً الخيار الأمثل، حيث أن هناك بعض الحالات التي يُمكن تأجيلها أو علاجها باستخدام علاجات أخرى، حيث أنه في حالات الرغبة بالحمل مستقبلاً والإصابة بالأورام الليفية فإنه يُمكن استئصال الورم الليفي بالقسطرة لوحده فقط، والإبقاء على نسيج الرحم سليماً وقابلاً لحمل الجنين.
ختاماً، يُعد اتخاذ قرار استئصال الرحم قرارً صعباً بالنسبة للمرأة وذلك لأنه قد يحرمها من الإنجاب، أو بسبب العوائق الذي يُسببها الاستئصال على حياتها، ولكن أسباب استئصال الرحم القاهرة تجعل من الضروري استئصاله لكي تُكمل المرأة بقية حياتها بصحة، في مركز بيمارستان الطبي، نؤمن أنه يمكن للمرأة متابعة حياتها بصحة وسعادة حتى بعد استئصال الرحم، وذلك بسبب وجود الرعاية والدعم النفسي والجسدي الذي نقدّمه لها.
المصادر:
- American College of Obstetricians and Gynecologists (ACOG). (2021). Hysterectomy.
- Office on Women’s Health (U.S. Department of Health & Human Services). (2021). Hysterectomy.