الصداع النصفي من المشاكل الشائعة التي قد تواجهها المرأة خلال فترة الحمل، خاصة في الثلث الأول، حيث تؤدي التغيرات الهرمونية والتقلبات الجسدية إلى تحفيز نوبات الألم. على الرغم من شدّة الصداع وتأثيره على الحياة اليومية، إلا أن التعامل معه يكون محدوداً بسبب القلق من استخدام الأدوية وتأثيرها على الجنين. في هذا السياق، نناقش في هذا المقال طرق علاج الصداع النصفي عند الحامل، مع التركيز على الوسائل الآمنة والفعالة التي توازن بين تخفيف الألم والحفاظ على صحة الحمل.
هل الصداع النصفي شائع أثناء الحمل؟
الصداع النصفي يُعد شائعاً في سنوات الخصوبة لدى النساء، وقد يظهر للمرة الأولى خلال الحمل، خاصة لدى بعض النساء على شكل نوبات تترافق مع أعراض عصبية تُعرف بـ”الأورة”، مثل اضطرابات بصرية أو شعور بالوخز. رغم أن بعض النساء يعانين من زيادة شدة الصداع في الأسابيع الأولى، إلا أن معظمهن يلاحظن تحسّناً مع تقدم الحمل. إذ تُظهر الدراسات أن ما يصل إلى 46.8٪ من النساء يشعرن بتحسن في الثلث الأول، وترتفع هذه النسبة إلى 83٪ في الثلث الثاني، و87.2٪ في الثلث الثالث، وإنّ نحو 78.7٪ قد يختبرن تحسّناً تاماً مع نهاية الحمل. مع ذلك، فإن التحسن أقل شيوعاً لدى من يعانين من الصداع النصفي مع الأورة.
ترتبط هذه التغيرات غالباً بالتقلبات الهرمونية، خصوصاً في مستويات الإستروجين والبروجستيرون، إضافة إلى عوامل مثل الإجهاد، اضطراب النوم، الغثيان، والجفاف. من المهم أيضاً التمييز بين الصداع النصفي وصداع التوتر، حيث أن الأخير أكثر شيوعاً في الحمل، وغالباً ما يكون أقل حدة ويستجيب بشكل أفضل للعلاج غير الدوائي، ويتميّز صداع التوتر بشعور ضاغط على جانبي الرأس دون غثيان أو حساسية من الضوء، وهو ما يساعد في التفريق بينه وبين الصداع النصفي.
أسباب الصداع النصفي أثناء الحمل
تتعدد أسباب وعوامل تحفيز الصداع النصفي في الحمل، وتشمل ما يلي:
- العوامل الجينية: يميل الصداع النصفي إلى الانتشار في العائلات، مما يشير إلى وجود مكون وراثي.
- تقلبات الهرمونات: خاصة تغير مستويات هرمون الإستروجين خلال الحمل، التي تُعد من أهم المحفزات.
- زيادة حجم الدم: يزداد حجم الدم في الثلث الأول من الحمل، مما يؤدي إلى توسع الأوعية الدموية في الدماغ والضغط على الأعصاب الحساسة.
- قلة النوم والتوتر: نقص النوم والإجهاد من العوامل المؤثرة في زيادة نوبات الصداع.
- الجفاف: نقص السوائل يساهم في تحفيز الصداع، لذلك ينصح بضرورة شرب كميات كافية من الماء.
- محفزات خارجية: مثل الأضواء الساطعة والروائح القوية وبعض الأطعمة (الشوكولاتة والجبن المعتق).
- عوامل أخرى: انخفاض سكر الدم، انسحاب الكافيين المفاجئ، ومشاكل الجيوب الأنفية أو إرهاق العينين.
تحدث نوبات الصداع النصفي أثناء الحمل نتيجة تغيرات في مسارات الأعصاب والمواد الكيميائية والدم المتدفق في الدماغ، مما يؤدي إلى تهيج وتوسع الأوعية الدموية وتحفيز استجابة الألم. كما يلعب هرمون الإستروجين والناقل العصبي السيروتونين دوراً هاماً في هذه العملية.
متى يكون الصداع خطراً أثناء الحمل
رغم أن نوبات الصداع النصفي أثناء الحمل لا تُعدّ خطيرة في معظم الحالات، ولا تضر الأم أو الجنين بشكل مباشر، إلا أن بعض الدراسات تشير إلى احتمال زيادة خطر الإصابة بمضاعفات مثل تسمم الحمل، الولادة المبكرة، أو انخفاض وزن المولود لدى بعض النساء المصابات بالصداع النصفي. لذلك، من المهم متابعة الحالة مع الطبيب المختص طوال فترة الحمل، ويجب طلب الاستشارة الطبية فوراً في حال ظهور أعراض تستدعي القلق، مثل:
- صداع مفاجئ وشديد يصل إلى ذروته خلال أقل من دقيقة
- تغير في نمط الصداع المعتاد أو زيادة غير مبررة في شدته
- ظهور أعراض عصبية جديدة أو مطوّلة، مثل الأورة غير المعتادة أو اضطرابات في الرؤية والحركة
- فقدان الوعي
- غثيان وقيء شديدان يصاحبان الصداع
مثل هذه العلامات قد تشير إلى أسباب أكثر خطورة وتتطلب تقييماً دقيقاً من الطبيب المختص أو إحالة عاجلة للفحص.
وسائل آمنة لعلاج الصداع النصفي عند الحامل
في حال كانت الأعراض خفيفة إلى متوسطة، يمكن للحامل الاستفادة من خيارات غير دوائية وتعديلات بسيطة في نمط الحياة لتخفيف نوبات الصداع النصفي وتقليل تكرارها.
العلاج غير الدوائي
غالباً ما يكون من الممكن تخفيف نوبات الصداع النصفي أثناء الحمل باستخدام وسائل غير دوائية آمنة. يمكن أن يساعد الاستلقاء في غرفة مظلمة وهادئة مع وضع كمادات باردة على الجبين أو مؤخرة الرقبة في تقليل شدة الصداع. كما أن ممارسة تقنيات الاسترخاء مثل التنفس العميق، التأمل، أو اليوغا المخصصة للحامل قد تلعب دورًا فعّالًا في تخفيف الأعراض. بعض النساء يجدن الراحة في جلسات العلاج بالإبر أو العلاج بالتدليك (المساج الطبي)، بشرط أن يكون ذلك تحت إشراف مختصين متمرسين في التعامل مع الحوامل. تبقى هذه الأساليب من أبرز خيارات علاج الصداع النصفي عند الحامل بطريقة آمنة وطبيعية.

التعديلات الحياتية
اعتماد نمط حياة صحي يُعد من أهم وسائل الوقاية من الصداع النصفي أثناء الحمل. من التوصيات الأساسية الحفاظ على جدول نوم منتظم وتجنّب السهر، وتناول وجبات متوازنة في مواعيد منتظمة لتفادي انخفاض سكر الدم، الذي قد يحفّز نوبات الصداع. كما يُنصح بشرب كميات كافية من الماء يومياً، وتجنّب المثيرات الشائعة مثل الروائح القوية، الأضواء الساطعة، والتوتر النفسي.
الأدوية الآمنة نسبيًا أثناء الحمل
يُعتبر الباراسيتامول هو الخيار الأول والأكثر أماناً لتخفيف نوبات الصداع النصفي أثناء الحمل، ويُستخدم بأقل جرعة ممكنة ولمدة قصيرة. في بعض الحالات، قد تُستخدم مضادات الالتهاب غير الستيرويدية (NSAIDs) مثل الإيبوبروفين، ولكن فقط خلال الثلث الثاني من الحمل ولمدة محدودة، مع تجنب استخدامها في الثلث الأول والأخير بسبب مخاطر محتملة على الجنين.
بالنسبة لأدوية التريبتانات، مثل السوماتريبتان، فقد أظهرت دراسات حديثة أن استخدامها تحت إشراف الطبيب قد يكون آمناً أثناء الحمل، ولا يرتبط بزيادة خطر العيوب الخلقية أو مضاعفات الحمل. كما يمكن وصف بعض أدوية مضادات الغثيان مثل الميتوكلوبراميد، والتي تساعد في التخفيف من أعراض الغثيان والقيء المصاحبة لنوبات الصداع النصفي، مع مراعاة الاستخدام المحدود.
يُحذر من استخدام بعض الأدوية مثل الأسبرين والمخدرات الأفيونية (كوديين) أثناء الحمل، إلا في حالات نادرة وتحت مراقبة طبية دقيقة، نظراً للمخاطر المحتملة على الأم والجنين. من الضروري دائماً استشارة الطبيب قبل تناول أي دواء كجزء من علاج الصداع أثناء الحمل، لضمان اختيار الأنسب وفق حالة الأم الصحية وتطور الحمل
العلاجات الطبيعية والمكملات
تلجأ العديد من النساء إلى العلاجات الطبيعية لتخفيف الصداع النصفي أثناء الحمل، خاصة لتجنب الأدوية. من الوسائل المفيدة: شرب كميات كافية من الماء، والنوم المنتظم، وتجنّب المحفزات مثل الأطعمة أو الضوء الساطع، واستخدام كمادات باردة على الرأس أو الرقبة. كما تساعد تمارين الاسترخاء والتنفس العميق في تخفيف التوتر الذي قد يسبب الصداع.
بعض المكملات مثل المغنيسيوم تُعد آمنة بجرعات معتدلة، وقد يساعد الكافيين المحدود (كوب قهوة واحد يوميًا) في تخفيف الألم. أما فيتامين B2 فيُستخدم أحيانًا للوقاية من الصداع، لكن يُفضل استشارة الطبيب قبل تناوله خلال الحمل، حيث أنه من المهم التشاور مع الطبيب قبل تناول أي مكمل غذائي، حتى تلك التي تُعتبر طبيعية، وذلك لتحديد الجرعة المناسبة وضمان عدم تعارضها مع الحمل أو الحالة الصحية للأم.
متى يجب مراجعة الطبيب؟
رغم أنّ الصداع أثناء الحمل أمر شائع، إلا أنّ هناك حالات تستدعي التدخل الطبي الفوري. إذا كان الصداع شديداً ومستمراً ولا يستجيب للعلاجات المنزلية، أو ترافق مع أعراض مثل تغيّرات في الرؤية، تورّم مفاجئ في الوجه أو اليدين، ألم في أعلى البطن، أو ارتفاع في ضغط الدم، فقد يشير ذلك إلى حالات خطيرة مثل تسمم الحمل.
كذلك، يُوصى بمراجعة الطبيب إذا بدأ الصداع النصفي عند الحامل لأول مرة خلال الحمل، أو إذا اختلف نمطه أو شدته عن المعتاد، أو ترافق مع ضعف في الحركة أو النطق. هذه الأعراض قد تكون علامة على اضطرابات عصبية أو وعائية تحتاج إلى تقييم دقيق.
في الختام، يُعد الصداع النصفي أثناء الحمل من التحديات المزعجة التي قد تؤثر على جودة حياة الحامل، لكنه غالباً ما يكون قابلاً للتعامل من خلال تعديلات نمط الحياة، والعلاجات الآمنة، وتجنّب المحفزات. من المهم عدم تجاهل الأعراض واستشارة الطبيب عند الحاجة، لضمان سلامة الأم والجنين، ويجب تذكر أنَ علاج الصداع النصفي عند الحامل لا يقتصر على تخفيف الألم فحسب، بل يشمل فهم الأسباب والتصرف السليم في الوقت المناسب.
المصادر:
- Goadsby, P. J., Lipton, R. B., & Ferrari, M. D. (2002). Migraine—current understanding and treatment. The New England Journal of Medicine, 346(4), 257–270.
- The Migraine Trust. (n.d.). Migraine in pregnancy.