في عالمنا المعاصر، حيث تتسارع الحياة وتتزايد التحديات، يظل مرض الاكتئاب أحد أكثر الأمراض النفسية شيوعًا وتأثيرًا على حياة الأفراد. إنه ليس مجرد شعور بالحزن العابر، بل هو حالة تستحق الفهم والتفهم. يعتبر مرض الاكتئاب مرضًا نفسيًا يتسلل بخفية إلى حياة الشخص، مؤثرًا على تفكيره ومشاعره وسلوكياته اليومية.
لكن السؤال الأهم الذي يطرح نفسه: ما هي الأسباب التي تقف وراء ظهور هذا المرض؟ وكيف يمكننا الوقاية منه؟
في هذا المقال، سنغوص في أعماق هذا الموضوع، لاستكشاف أسباب مرض الاكتئاب المختلفة، بدءًا من العوامل البيولوجية والجينية، وصولًا إلى التأثيرات البيئية والاجتماعية. وسنتناول أيضًا الطرق الفعّالة للوقاية من هذا المرض، لنمنح كل فرد الأدوات اللازمة لبناء حياة نفسية صحية ومستقرة.
معلومات عن مرض الاكتئاب
إليك بعض الحقائق التي قد لا تعرفها عن مرض الكآبة:
- يعتبر الاكتئاب من أكثر الأمراض النفسية شيوعاً، حيث يعاني منه نحو 264 مليون شخص في جميع أنحاء العالم.
- يعاني حوالي 3.8% من السكان من مرض الاكتئاب، بما في ذلك 5% من البالغين (4% من الرجال و6% من النساء). ترتفع النسبة إلى 5.7% لدى من هم فوق 60 من العمر.
- يمكن أن يكون للعوامل البيئية والنفسية دور في تفاقم حالات الاكتئاب، مثل التوتر والضغوط النفسية والعزلة الاجتماعية.
- قد يكون للوراثة دور في الإصابة بمرض الاكتئاب؛ إذا كان أحد أقربائك يعاني من الاكتئاب فقد تكون عرضة للإصابة به أيضاً.
- يمكن أن يؤدي الاكتئاب إلى تدهور الحالة الصحية العامة وزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والسكتات الدماغية.
- يتراوح خطر الانتحار بين مرضى الاكتئاب الذين تُركوا بلا علاج بين 2.2-15%، كما أن الاكتئاب موجود لدى 50% على الأقل من المنتحرين.
تعريف مرض الاكتئاب
مرض الاكتئاب أو مرض الدبرشن بالانجليزي Depression هو اضطراب نفسي يتسم بالحزن المستمر والاهتمام المفقود أو الفقدان في الأنشطة اليومية، وهو يعد حالة صحية شائعة تؤثر على جودة حياة الأشخاص المصابين به.
يعتقد معظم الناس أن هذا المرض هو مجرد حالة تعاسة مؤقتة تزول خلال يوم أو اثنين، لكن الواقع غير ذلك، إذ إن أعراض القلق والاكتئاب تؤثر في كامل الجسم نفسياً وصحياً وتدوم لمدة طويلة قد تصل لأشهر أو أكثر في حال عدم علاجها.
تصرفات مريض الاكتئاب
تصرفات مريض الاكتئاب يمكن أن تتفاوت بناءً على شدة الحالة وظروف الشخص. إليك بعض التصرفات والسلوكيات الشائعة التي قد تظهر عند الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب:
- العزلة الاجتماعية:
- تجنب الأصدقاء والعائلة.
- الانسحاب من الأنشطة الاجتماعية التي كانت ممتعة في السابق.
- تغيرات في الشهية:
- فقدان الشهية أو الإفراط في تناول الطعام.
- تغييرات في الوزن بدون سبب واضح.
- اضطرابات النوم:
- الأرق أو النوم المفرط.
- صعوبة في الاستيقاظ صباحًا أو النوم لساعات طويلة.
- التعب وانخفاض الطاقة:
- الشعور بالتعب المستمر أو الإرهاق.
- نقص الطاقة للقيام بالأنشطة اليومية.
- التفكير السلبي:
- التفكير المستمر في الأفكار السلبية أو الشعور باليأس.
- التركيز على الفشل الشخصي أو لوم الذات بشكل مفرط.
- صعوبة في التركيز:
- مواجهة صعوبة في اتخاذ القرارات أو التركيز على المهام.
- نسيان الأشياء بسهولة أو تشتت الانتباه.
- تغيرات في المزاج:
- الشعور بالحزن أو القلق معظم الوقت.
- نوبات من الغضب أو الانفعالات الغير مبررة.
- الألم الجسدي بدون سبب طبي واضح:
- الشعور بالصداع أو آلام في الجسم بدون سبب واضح.
- فقدان الاهتمام بالأنشطة المفضلة:
- فقدان الاهتمام بالهوايات أو الأنشطة التي كانت ممتعة من قبل.
- الأفكار الانتحارية أو إيذاء النفس:
- التفكير في إيذاء النفس أو الانتحار، والذي يتطلب تدخلاً عاجلاً ومساعدة مهنية.
هذه التصرفات قد تكون علامات على الاكتئاب وتتطلب الانتباه والمساعدة من المختصين في الصحة النفسية للحصول على الدعم والعلاج المناسب.
أنواع مرض الاكتئاب
هناك العديد من أنواع مرض الكآبة النفسية التي يمكن للفرد أن يصاب بها:
- الاكتئاب الكبير (الأشيع)؛ وهو اكتئاب حاد يتسم بالحزن المستمر وفقدان الاهتمام والمتعة في الأنشطة اليومية. يستمر حوالي أسبوعين ويعيق الفرد عن قيامه بنشاطاته اليومية.
- مرض الاكتئاب المزمن (المستمر)؛ أقل حدةً من النمط السابق لكنه يستمر فترة أطول قد تصل حتى عامين.
- مرض اكتئاب ثنائي القطب؛ يتميز بتغيرات مزاجية متطرفة تتراوح بين الحزن العميق والهوس.
- الاكتئاب الموسمي (الفصلي)؛ يحدث في فصل معين من السنة -عادةً في فصلي الخريف والشتاء- ويعزى سببه إلى قصر النهار وقلة التعرض للضوء.
- اضطراب اكتئاب ما حول الولادة؛ قد يظهر اكتئاب الحمل أو اكتئاب بعد الولادة لدى بعض النساء ويتسم بالحزن والقلق والإرهاق.
- الاكتئاب المرافق لأعراض الذهان؛ حيث يترافق الاكتئاب مع توهمات وهلوسات سمعية أو بصرية ويسمى أحياناً مرض الاكتئاب الذهاني.
- مرض الاكتئاب والقلق؛ إذ يحدث القلق لدى 70% من مرضى الاكتئاب.
يختلف علاج الاكتئاب من مريض لآخر تبعاً للنوع الذي أصيب به.
أسباب مرض الاكتئاب
يوجد العديد من الأسباب المؤدية لحدوث مرض الكآبة، إلا أن بعضها قد لا يكون واضحاً للمريض، لذلك تجب زيارة الطبيب النفسي المختص عند إصابة المريض بالاكتئاب لفترة طويلة بدون تحسن. من أهم اسباب القلق والاكتئاب ما يلي:
- اضطراب المواد الكيميائية في الدماغ: قد يكون هناك خلل في التوازن الكيميائي في أجزاء الدماغ التي تتحكم بالمزاج والأفكار والنوم والشهية والسلوك لدى الأشخاص المصابين بالاكتئاب.
- تغير مستوى الهرمونات في الجسم: يعتبر أهم سبب لمرض الاكتئاب عند النساء، خاصة في فترة الدورة الشهرية أو قبلها وحول فترة الولادة وفي سن انقطاع الطمث (سن اليأس).
- الوراثة: تزداد نسبة الإصابة بالاكتئاب إذا كان أحد أفراد العائلة قد أصيب بهذا المرض النفسي.
- حوادث الطفولة: قد تؤدي صدمة حصلت أثناء الطفولة إلى تغيير طريقة تفاعل الشخص مع الأحداث العصيبة فيحصل الاكتئاب.
- بنية الدماغ: هناك خطر أكبر للإصابة بالاكتئاب إذا كان الفص الجبهي من دماغك أقل نشاطاً.
- الألم: الأشخاص الذين يشعرون بألم جسدي أو عاطفي أو مزمن لفترات طويلة هم أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب.
- إدمان المخدرات أو الكحول.
- بعض الأمراض: قد تؤدي إصابتك ببعض الأمراض أو الحالات الصحية إلى زيادة نسبة حدوث الاكتئاب لديك. من أهم هذه الأمراض: الأمراض المزمنة، الأرق والألم المزمن، مرض باركنسون، السكتة الدماغية، النوبات القلبية والسرطان.
أسباب الاكتئاب عند النساء
- التغيرات الهرمونية:
- فترة الحمل والولادة.
- انقطاع الطمث.
- الدورة الشهرية.
- العوامل النفسية:
- التوتر والإجهاد من التوقعات الاجتماعية.
- مسؤوليات الأسرة والعمل.
- الشعور بالعجز أو الإحباط.
- العوامل الاجتماعية:
- التمييز الجنسي.
- العنف المنزلي.
- العزلة الاجتماعية أو قلة الدعم الاجتماعي.
- العوامل الوراثية:
- وجود تاريخ عائلي للاكتئاب يزيد من خطر الإصابة.
- الأمراض الجسدية:
- الأمراض المزمنة أو المؤلمة قد تزيد من احتمالية الإصابة بالاكتئاب.
- العوامل الثقافية:
- الضغوط الثقافية أو المجتمع الذي يحد من حرية التعبير عن المشاعر.
هذه العوامل يمكن أن تتداخل وتزيد من خطر الإصابة بالاكتئاب لدى النساء، مما يتطلب تقديم الدعم المناسب والعلاج في الوقت المناسب.
عوامل خطر الاكتئاب
توجد أيضاً عوامل أخرى قد تزيد من احتمال إصابة الشخص بمرض الاكتئاب مثل:
- الجنس: تكون نسبة الإصابة عند النساء ضعف الإصابة عند الرجال (خاصة أثناء الحمل أو بعد الولادة).
- الوضع الاجتماعي والاقتصادي: تزيد المشاكل المالية والوضع الاجتماعي السيء من خطر الإصابة بالاكتئاب.
- الأدوية: تزيد بعض الأدوية من احتمال إصابة الشخص بمرض الاكتئاب. ومن أهمها: حبوب منع الحمل والستيروئيدات القشرية (الكورتيزونات) وحاصرات بيتا (من الأدوية الخافضة للضغط).
- نقص الفيتامينات: أثبتت الدراسات الحديثة أن نقص فيتامين د قد يكون من أسباب الاكتئاب أو له علاقة بظهور بعض الأعراض.
تشخيص مرض الاكتئاب
يتوجب البحث عن المساعدة الطبية عند الشك أو الاشتباه بإصابة شخص بالاكتئاب. يتم تشخيص الاكتئاب عادة عن طريق الأطباء النفسيين المتخصصين بالصحة العقلية، وفيما يلي بعض الخطوات التي يمكن أن يتبعها الطبيب النفسي لتشخيص هذا مرض:
- مقابلة الطبيب: يجري الطبيب مقابلة مع المريض لفهم أعراضه وتاريخه الطبي والنفسي. يمكن أن يسأل الطبيب عن الأعراض الجسدية والعاطفية والسلوكية التي يعاني منها المريض، بالإضافة إلى مدى تأثير هذه الأعراض على حياته اليومية.
- اختبارات تقييم الاكتئاب: قد يُطلب من المريض إكمال استبيانات أو اختبارات للتقييم مثل اختبار اكتئاب بيكر أو اختبار اكتئاب هاميلتون. تُستخدم هذه الاختبارات لتقييم شدة الأعراض وتحديد ما إذا كان المريض يعاني من اكتئاب أو لا.
- استبعاد الأسباب الأخرى للاكتئاب: قد يحتاج الطبيب إلى استبعاد أي أسباب أخرى محتملة للأعراض المشابهة للاكتئاب، مثل الأمراض الجسدية أو الأمراض العقلية الأخرى.
- تشخيص الاكتئاب الثانوي للمرض: قد يكون وجود حالة صحية معينة لدى المريض هي سبب هذا الاضطراب لديه وبعلاجها يتم الشفاء منه، لذلك قد يُطلب من المريض إجراء فحوصات طبية أو تحاليل دم للتشخيص.
- وضع التشخيص النهائي: بناءً على المعلومات التي تم جمعها من المقابلة والاختبارات يقوم الطبيب بتشخيص المرض وتحديد شدته (خفيف، متوسط، شديد).
يجب على المريض أن يتحدث بصراحة مع الطبيب وأن يشرح بدقة جميع الأعراض التي يعاني منها حتى يساعده على الشفاء بأسرع وقت.
علاج مرض الاكتئاب
علاج مرض الاكتئاب يتضمن عدة خيارات تعتمد على شدة الأعراض واحتياجات الفرد. إليك بعض الأساليب الشائعة:
- العلاج الدوائي:
- مضادات الاكتئاب: تُستخدم لتحسين المزاج والتخفيف من الأعراض.
- أدوية موازنة الهرمونات: في حالات الاكتئاب المرتبطة بتغيرات هرمونية.
- العلاج النفسي:
- العلاج السلوكي المعرفي (CBT): يهدف إلى تغيير الأفكار السلبية والسلوكيات الضارة.
- العلاج النفسي الديناميكي: يساعد في فهم المشاعر المكبوتة والعلاقات الشخصية.
- العلاج السلوكي:
- التدريب على المهارات الحياتية: يساعد في تطوير استراتيجيات للتعامل مع التوتر والصعوبات.
- تقنيات الاسترخاء والتأمل: مثل اليوغا أو التأمل لتعزيز الاسترخاء والرفاهية النفسية.
- التدخلات الاجتماعية:
- الدعم الاجتماعي: مثل الانضمام إلى مجموعات دعم أو التحدث مع الأصدقاء والعائلة.
- تحسين نمط الحياة: مثل ممارسة الرياضة بانتظام واتباع نظام غذائي صحي.
- العلاج بالصدمات الكهربائية (ECT):
- يُستخدم في حالات الاكتئاب الشديد أو المقاوم للعلاجات الأخرى.
- العلاج التكميلي والبديل:
- مثل العلاج بالأعشاب، العلاج بالفنون، والعلاج بالموسيقى.
من المهم أن يتم التشخيص والعلاج تحت إشراف متخصص في الصحة النفسية لضمان الحصول على الرعاية المناسبة والدعم اللازم.
طرق الوقاية من الاكتئاب
بالإضافة إلى العلاج، يمكن اتخاذ بعض الخطوات للوقاية من هذا الاضطراب والقضاء عليه في المجتمع مثل:
- الحفاظ على نمط حياة صحي: يجب تناول طعام متوازن وصحي، وممارسة التمارين الرياضية بانتظام، والحصول على قسط كافٍ من النوم.
- التعامل مع التوتر: ينبغي تعلم تقنيات التحكم بالتوتر مثل التأمل والاسترخاء العميق وتمارين التنفس.
- التفكير الإيجابي: عبر محاولة تغيير الأفكار السلبية إلى أفكار إيجابية وتشجيع الثقة بالنفس.
- الحفاظ على علاقات اجتماعية: يجب الاحتفاظ بصِلات اجتماعية قوية والاستمتاع بأوقات الراحة مع الأصدقاء والعائلة.
- تجنب المواد المنبهة: ينبغي تجنب استهلاك المواد المنبهة مثل الكافيين والكحول لأنها تزيد من مشاعر القلق والتوتر.
- البحث عن مساعدة: يجب أن يطلب المريض المساعدة عند الشعور بالأعراض وألا يتردد في البحث عن العلاج المناسب.
من المهم أن يتذكر المرضى أن الاكتئاب مرض قابل للعلاج وأنه يمكن تحسين حالتهم بالعلاج المناسب والدعم المناسب. يجب على المرضى أن يطلبوا المساعدة الطبية وألا يشعروا بالخجل أو العار.
المصادر: