في مرض الوهن العضلي الوبيل، يحدث خلل في الاتصال بين الخلايا العصبية والخلايا العضلية، مما يمنع العضلات من الانقباض. بشكل مفصل، تقوم الأجسام المضادة بتدمير مواقع مستقبلات الأستيل كولين (وهو الناقل العصبي الذي تفرزه الخلايا العصبية الذي يحفز العضلات على الانقباض) في المشبك العصبي العضلي بسرعة تفوق قدرة الجسم على إنتاج مستقبلات جديدة. ومع انخفاض عدد هذه المستقبلات، لا تستطيع العضلات تلقي الإشارات العصبية اللازمة للانقباض والعمل بشكل طبيعي.
وفي بعض الحالات ، ينتج بعض المرضى أجسامًا مضادة تستهدف بروتينات أخرى غير الأستيل كولين، مما يؤدي أيضًا إلى تعطل نقل الإشارات العصبية من الأعصاب إلى العضلات. هذه الحالات هي الحالات التي قد لا تستفيد على علاج الوهن العضلي الوبيل جراحياً وتحتاج إلى دراسات معمقة.1
الغدة الزعترية والوهن العضلي الوبيل
تُعد الغدة التيموسية (الغدة الزعترية) جزءًا من الجهاز المناعي أكثر من كونها جزءًا من جهاز الغدد الصمّاء، فهي تساعد على إنتاج الخلايا التائية (T-cells)، وهي نوع مهم من خلايا الدم البيضاء التي تحمي الجسم من العدوى البكتيرية والفيروسية.
والعلاقة بين الوهن العضلي الوبيل والغدة الزعترية هو أنه يُعتقد أن الغدة الزعترية قد تلعب دورًا في تحفيز أو استمرار إنتاج الأجسام المضادة التي تمنع عمل الأستيل كولين على المستقبلات. وفي كثير من حالات مرضى الوهن العضلي الوبيل، تكون الغدة الزعترية متضخمة بشكل غير طبيعي وفي بعض الحالات القليلة تكون سرطانية.2
أنواع الوهن العضلي الوبيل
يُقسم الوهن العضلي الوبيل إلى عدة أنواع فرعية، من أبرزها:
- الوهن العضلي العيني: يصيب عضلات العين فقط. (الاستجابة على الاستئصال الجراحي تكون قليلة نسبياً مقارنة بالحالة المعممة)1.
- الوهن العضلي المعمم: يصيب العديد من عضلات الجسم المخططة الإرادية.
- الوهن العضلي الخلقي: سببه طفرات جينية (وليس مناعي ذاتي كما في الأنواع الأخرى)، ويظهر عادة منذ الولادة أو في مراحل الطفولة أو حتى في سن البلوغ. تستفيد هذه الحالة دوائياً ولا يوجد العلاج الجراحي ضمن الخطة العلاجية.
- الوهن العضلي الوليدي العابر: شكل نادر ومؤقت يصيب الأطفال حديثي الولادة من أمهات مصابات بالوهن العضلي، ويستمر عادة بضعة أسابيع أو أشهر ثم يختفي بدون أي علاج.
- الوهن العضلي الطفولي: نوع نادر يبدأ قبل سن 19 عامًا وله أعراض مميزة وتختلف عن الوهن العضلي في البالغين. (ونسبة نجاح العلاج الجراحي أقل من الحالة المعممة وتحتاج إلى المزيد من الدراسات)1
علاج الوهن العضلي الوبيل دوائياً
بشكل عام إلى الآن لا يوجد شفاء نهائي معروف لمرض الوهن العضلي الوبيل، ولكن تتوفر العديد من العلاجات التي تسيطر على الأعراض وتمكن المرضى من عيش حياة طبيعية بجودة عالية، وفي معظم الأحيان لا يتأثر العمر الافتراضي للمريض بالمرض.
يبدأ العلاج عادةً باستخدام مثبطات إنزيم الأستيل كولين إستيراز (انزيم مسؤول عن تخريب مادة الأستيل كولين) وبالتالي يُطال عمر الأستيل كولين في المشابك العصبية وتوفر تحسنًا مؤقتًا في ضعف العضلات. غالبًا ما تُستخدم معها الأدوية المثبطة للمناعة لتقليل نشاط الجهاز المناعي وتقليل افراز الأجسام المضادة التي تهاجم المستقبلات. إلا أن معظم هذه الأدوية قد تفقد فعاليتها تدريجياً بمرور الوقت وتسبب آثارًا جانبية شديدة للمريض.
استئصال الغدة الزعترية لعلاج الوهن العضلي الوبيل
العلاج الجراحي لمرض الوهن العضلي الوبيل يتمثل في استئصال الغدة الزعترية بالكامل.
تلعب الغدة الزعترية دورًا رئيسيًا في تطور الجهاز المناعي خلال الطفولة، لكنها تفقد معظم هذه الوظيفة في سن البلوغ وتتحول بشكل تدريجي إلى نسيج دهني.
وقد أظهرت الدراسات أن الاستئصال الكامل للغدة الزعترية يحقق تحسن لأكثر من 70% من الحالات، كما أن حوالي 40% من المرضى قد يشفون بشكل كامل بعد العملية، كما أن أكثر من نصفهم قد يتمكن من التوقف عن تناول جميع الأدوية3.
في بعض مرضى الوهن العضلي الوبيل، قد يكون هنالك ورم بالغدة التيموسية، ويمكن أن يكون هذا الورم حميدًا أو خبيثًا.
ملاحظة: إن إزالة الغدة التيموسية في البالغين لا تؤثر بشكل سلبي مطلقاً على الجسم.
التحضير قبل العملية الجراحية
يتم اجراء التصاوير سواءاً الطبقي المحوري أو الرنين المغنطيسي للتأكد من حال الغدة الزعترية وهل يوجد ضخامة أو ورم فيها.
بعد ذلك يتم اجراء التحاليل لمعرفة نوع الوهن العضلي وهل هو متعلق بمستقبلات الأستيل كولين أم من الأنواع الآخرى, لأنها تحدد فائدة اجراء العملية الجراحية.
قبل اجراء العمل الجراحي يتم اجرا العديد من التقييمات لكي لايصاب المريض بنوبة ضعف للعضلات أثناء وبعد العمل الجراحي ولكي يتم اختيار موعد العملية الجراحية بدقة ومن هذه التقييمات:
- التقييم العصبي: يجب أن يكون المرضى في مرحلة مستقرة من المرض، مع تقييم فعالية الأدوية المثبطة للمناعة مثل الستيرويدات والأدوية المناعية الأخرى.
- التقييم التنفسي: تقييم وظائف الرئة وضمان استقرار الحالة التنفسية، خاصةً في الحالات الشديدة والمرضى الذين يعانون من ضعف عضلات التنفس.
- التخدير: التعاون مع أطباء التخدير لتحديد خطة التخدير وموعد العملية المناسب، مع مراعاة تأثير الأدوية المثبطة للمناعة على الاستجابة للتخدير.
- التقييم القلبي: في بعض الحالات الشديدة، قد يتطلب الأمر تقييمًا للقلب لضمان استقرار الحالة القلبية قبل الجراحة.
يهدف هذا التحضير الشامل إلى تقليل المخاطر الجراحية وضمان أفضل النتائج للمرضى.
استئصال الغدة التيموسية بواسطة التنظير الصدري (VATS)
يُفضل إجراء الاستئصال الجراحي للغدة التيموسية باستخدام التنظير على الجراحة المفتوحة وهي تقنية طفيفة التوغل تُجرى من خلال شقوق صغيرة وأحياناً عبر شق جراحي وحيد على جانب الصدر دون الحاجة إلى فتح عظم القص كما كان يُجرى سابقاً.
يدخل المريض المستشفى صباح يوم العملية، وغالبًا ما يغادر خلال يومين، ويستعيد عافيته الكاملة خلال أسبوعين تقريبًا.
استئصال الغدة الزعترية بواسطة الروبوت
استئصال التيموس بالروبوت يُعَدّ تطورًا متقدمًا ضمن الجراحات طفيفة التوغل لعلاج أمراض الغدة الزعترية، خاصةً في مرض الوهن العضلي الوبيل.حيث يمنح الروبوت رؤية ثلاثية الأبعاد عالية الدقة بدقة تصل إلى عشرة أضعاف التكبير، إضافةً إلى أدوات جراحية مفصلية توفر حرية حركة تفوق حركة اليد البشرية. يسمح ذلك بالوصول إلى المنصف الأمامي وإجراء استئصال كامل للغدة التيموسية بما في ذلك الأنسجة الدهنية المحيطة التي قد تحتوي على بؤر تيموسية منتشرة لاتُرى بالعين المجردة، وهو عامل جداً مهم لضمان فعالية العملية وتحقيق نتائج طويلة الأمد.
تُجرى العملية عادةً عبر ثلاثة إلى أربعة شقوق صغيرة في جدار الصدر الجانبي (عادةً بين الضلعين الثالث والسادس) وأحياناً يتم الدخول تحت عظم القص من البطن، ويُنفخ جوف الصدر بثاني أكسيد الكربون بضغط منخفض لتحسين مجال الرؤية.
وقد أظهرت دراسات مقارنة أن الاستئصال الروبوتي يحقق نتائج مماثلة من الاستئصال المفتوح من حيث معدلات تحسن أعراض الوهن العضلي, لكنه يتفوق من حيث قلة النزف، وانخفاض الألم بعد الجراحة، وتقليل المضاعفات، وقصر مدة الإقامة في المستشفى، والعودة المبكرة للعمل4.
كما أن الدقة العالية لهذه التقنية تقلل من احتمال بقاء بقايا نسيج تيموسي داخل الصدر، مما قد ينعكس إيجابًا على معدلات الشفاء.
مزايا استئصال التيموس بتقنية التنظير والروبوت مقارنة بالجراحة التقليدية المفتوحة
- ألم أقل بعد العملية
- مضاعفات أقل
- خطر عدوى أقل
- وقت جراحي أقصر وبالتالي تخدير أقل
- إقامة أقصر داخل المستشفى وفترة تعافٍ أسرع
تُعد هذه المزايا مهمة بشكل خاص لدى مرضى الوهن العضلي الوبيل بسبب حالتهم الحساسة والضعف العام الذي يحصل نتيجة التوتر الناتج عن العملية، إذ تُقلل تقنية التنظير والروبوت خطر المضاعفات والعدوى، كما تقلل بشكل واضح الأذى الذي يلحق بعضلات الجهاز التنفسي وجدار الصدر مقارنة بالجراحة التقليدية المفتوحة.
مزايا استئصال الغدة الزعترية بالروبوت مقارنة بالجراحة التنظيرية
تحسن في القدرة على المناورة أثناء الجراحة
سجلت مجموعة الجراحة الروبوتية درجات أعلى في “مجال القدرة على المناورة” مقارنةً بمجموعة الجراحة التنظيرية، خاصةً في القدرة على استئصال الأنسجة الدهنية المحيطة بالتيموس، مما يعكس دقة أكبر في أثناء الجراحة
تقليل الأخطاء الجراحية أثناء العملية
سجلت مجموعة الجراحة روبوتية معدلات أقل من ناحية الأخطاء الجراحية أثناء العملية مقارنةً بمجموعة VATS، مما يشير إلى أداء جراحي أكثر أمانًا.
مدة عملية مشابهة
لم تُظهر الدراسة اختلافًا كبيرًا في مدة العملية بين الطريقتين، وهذا يعني أن استخدام الروبوت لا يؤدي إلى زيادة في زمن الجراحة بشكل مهم مقارنة بالجراحة التنظيرية.
نتائج سريرية مماثلة
لم تُظهر الدراسة اختلافًا كبيرًا في معدلات بقاء المرض بعد الجراحة بين الطريقتين، مما يشير إلى أن فعالية إزالة الأنسجة التيموسية متشابهة في كل من الطريقتين5
الخلاصة
يُعتبر استئصال الغدة التيموسية علاجًا جراحيًا فعّالًا وآمنًا لمرضى الوهن العضلي الوبيل إذا أُختير المريض بدقة، خاصة باستخدام تقنية الجراحة التنظيرية أو الروبوتية التي توفر تعافيًا أسرع ومضاعفات أقل من الجراحة التقليدية.
وإذا كنت مصابًا بالوهن العضلي الوبيل وتعتقد أن استئصال الغدة الزعترية قد يكون مناسبًا لحالتك، استشر طبيبك المختص لمعرفة ما إذا كنت مرشحًا مناسبًا للعملية وللحصول على جميع المعلومات اللازمة لاتخاذ القرار المناسب.
المصادر
1- Aljaafari D, Ishaque N. Thymectomy in Myasthenia Gravis: A Narrative Review. Saudi J Med Med Sci. 2022;10(2):97-104. doi:10.4103/sjmms.sjmms_80_22https://pmc.ncbi.nlm.nih.gov/articles/PMC9121707/
2- Aljaafari, Danah; Ishaque, Noman. Thymectomy in Myasthenia Gravis: A Narrative Review. Saudi Journal of Medicine and Medical Sciences 10(2):p 97-104, May–Aug 2022. | DOI: 10.4103/sjmms.sjmms_80_22 https://journals.lww.com/sjmm/fulltext/2022/10020/thymectomy_in_myasthenia_gravis__a_narrative.1.aspx?
3- Wolfe GI, Kaminski HJ, Aban IB, et al. Randomized Trial of Thymectomy in Myasthenia Gravis. N Engl J Med. 2016;375(6):511-522. doi:10.1056/NEJMoa1602489 https://www.nejm.org/doi/full/10.1056/NEJMoa1602489
4- Sicolo E, Zirafa CC, Romano G, Brandolini J, De Palma A, Bongiolatti S, Gallina FT, Ricciardi S, Maestri M, Guida M, et al. National Multicenter Study on the Comparison of Robotic and Open Thymectomy for Thymic Neoplasms in Myasthenic Patients: Surgical, Neurological and Oncological Outcomes. Cancers. 2024; 16(2):406. https://doi.org/10.3390/cancers16020406
5- Taje R, Peer M, Gallina FT, Ambrogi V, Sharbel A, Melis E, Elia S, Idit M, Facciolo F, Patirelis A, et al. Ergonomic Assessment of Robotic versus Thoracoscopic Thymectomy. Journal of Clinical Medicine. 2024; 13(7):1841. https://doi.org/10.3390/jcm13071841